تونس | فوجئ مشاهدو القناة الوطنية الأولى في تونس، بحذف مشاهد من الحلقة الثامنة من مسلسل «عنقود الغضب» يوم الجمعة الماضي. العمل الدرامي الذي يحظى بمتابعة واسعة في الشارع التونسي، يقوم على فتح ملفات فساد العائلات القريبة من الحكم في زمن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي التي كان أفرادها يسخّرون إمكانات الدولة لابتزاز البسطاء ونهب أملاك الفقراء والتنكيل بهم مستغلين قربهم من القصر ونفوذهم. لم يكن أحد من متابعي المسلسل متأكداً من أنّ الرقابة حذفت مشاهدَ منه بالفعل، لولا أن جاء التأكيد من «النقابة الأساسية لأعوان الإخراج والتصوير التلفزيوني» التي أصدرت بياناً أول من أمس نددت فيه بعودة الرقابة «بصمت» بعد الثورة التي يُفترض أنها ألغت كل الرقابات على حرية التونسيين وإبداعاتهم. وعدّت النقابة حذف المشاهد خطوة جديدة لمصادرة حرية الإبداع «تستدعي من كل المبدعين التجند والتضامن للدفاع عن حرية الإبداع المستهدفة الآن».
حذف مشاهد من المسلسل الذي كتب نصّه عبد القادر بالحاج نصر وأخرجه نعيم بالرحومة، يُعدّ سابقة خطيرة لم تحدث حتى في زمن الرئيس المخلوع، وهذا ما يعزّز مخاوف الكثير من التونسيين من عودة الرقابة ومحاصرة الحريات. وكانت «لجنة الحقوق والحريات» في «المجلس الوطني التأسيسي» قد شهدت خلافاً كبيراً يوم الخميس الماضي وصل إلى حدّ تبادل الشتائم بين أعضاء من كتلة «النهضة» وأعضاء من «الكتلة الديموقراطية» وأفراد مستقلين. ونشب الخلاف إثر اقتراح «حركة النهضة» صيغة حول مسألة الحريات في الدستور التونسي، إذ ترى الحركة الإسلامية أن «حرية الفكر مضمونة، وحرية التعبير والإعلام والإبداع والفن مضمونة... شرط عدم المساس بالنظام العام والأخلاق الحميدة»! وقد اعترض على هذه الصيغة عدد من أعضاء اللجنة، من بينهم الشاعر مراد العمدوني والمخرجة السينمائية سلمى بكار. معارضو الصيغة المطروحة وصفوها بأنها «تقيّد الحريات وتصادر الإبداع بحجّة «الأخلاق الحميدة» و«النظام العام»، وهما مفهومان يمكن أن يتحولا إلى سيف مُصلَت على كل مبدع.
ومنذ أيام، حذّر رئيس «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» عبد الستار بن موسى من أنّ الدستور التونسي الحالي سيكون مقيِّداً للحريات أكثر من دستور ١٩٥٩، «ما لم تتراجع «حركة النهضة» عن منحاها الدعوي الديني، وتتخلى عن منطق الأغلبية الذي تستعمله لإمرار أي مشروع تريد، حتى وإن كان مناهضاً للحريات».
مصادرة الحلقة الثامنة من «عنقود الغضب» تُعَدّ فصلاً جديداً في الصراع بين حكومة الترويكا وجزء من الرأي العام المطالب بعدم تقييد الحريات. ويبدو أنّ مسلسل الحريات في الشارع التونسي لن ينتهي فصولاً!