«المياومون»، «جباة الإكراء»، «عمّال غب الطلب»: مصطلحات دخلت حياة اللبنانيين منذ نحو 90 يوماً حين بدأ هؤلاء اعتصامهم داخل مؤسسة كهرباء لبنان احتجاجاً على عدم تثبيتهم في ملاك المؤسسة. لكنّ قضية المياومين خلّفت وراءها انقسامات حادة في الفريق الأكثري الواحد أي بين «التيار الوطني الحر» من جهة وبقية الحلفاء من جهة أخرى وتحديداً «حركة أمل» و«حزب الله». هذا الانقسام انسحب بطبيعة الحال على الجسم الإعلامي الناطق باسم كل فريق، وهو مرشّح للبروز أكثر مع التجمّع الذي دعا اليه المياومون اليوم الاثنين أمام مبنى المؤسسة في منطقة مار مخايل. يكفي أن نعود إلى الوراء لنعرف كيف ستتعاطى الوسائل الإعلامية مع تجمّع اليوم. بعضها أخذ موقع الهجوم على هؤلاء العمّال وتشويه صورتهم، والبعض الآخر أظهر تعاطفاً معهم فيما نأت البقية عن نفسها وتجنّبت اتخاذ موقف صريح مما يجري.
وحدها قناة «أو. تي. في» تفرّدت في هجومها على العمّال، فاتخذت من شاشتها «متراساً» للتهجّم عليهم، وبات الحديث عنهم بمثابة طبق يومي لديها. لا تخلو مقدمة نشرة إخبارية من استخدام مصطلحات «ابتدعتها» الشاشة العونية وانسحبت بدورها على مراسليها ونواب التيار البرتقالي فاستُخدمت عبارات «احتلال»، وضرورة «تحرير» مبنى المؤسسة، و«كسر هيبة الدولة». في نشرتها المسائية الجمعة الفائت مثلاً، كان لافتاً خروج مقدمة النشرة عن جدول عناوينها الرئيسية التي أسلفتها، لتطرح سؤالاً يحمل في طياته الكثير من التهويل. سألت: «ماذا لو قام آخرون من وزارات أو مرافق أخرى بمثل هذا العمل (الاعتصام) الذي يعاقب عليه القانون (..) على سبيل المثال لا الحصر في وزارة الصحة أو الإعلام أو الداخلية؟». وتابعت أنّ «معتصمي بيروت» يشبهون حركة الشيخ أحمد الأسير في صيدا في ما خصّ تعطيل مصالح وأرزاق الناس و«احتلال الساحات». والأهم أنّ المحطة اعتمدت سياسة التعميم بمعنى أنّها أوحت بأنّ الأهالي أنفسهم يطالبون «بتحرير» مبنى مؤسسة الكهرباء من أسر المعتصمين. لذلك، ركزت في تقاريرها الإخبارية على التواري خلفهم عبر إظهار انزعاجهم الشديد من الاعتصام، بل العمل على تحميل هؤلاء العمّال مسؤولية انقطاع الكهرباء في بيروت. مثلاً، دعت سيدة في أحد التقارير الرئيس نبيه بري الى «فتح معامل للمياومين بما أنّ أحواله المادية جيدة والابتعاد عن تشغيلهم على حسابنا... حساب الخزينة»! فيما اكتفت «الجديد» بالإشارة الى اعتراض نوّاب بيروت على التظاهرة المضادة للمياومين التي قادها التيار الوطني «بما أنّ ساحة ساسين لا تحتفي الا بعيد الموسيقى» ودعتهم الى المجاهرة بخلافهم مع العماد عون. وبرزت المحطة كمتعاطف مع المياومين وناقل لكل تحركاتهم أكان نقلاً مباشراً أم في تقارير
إخبارية.
على الضفة الأخرى، وقفت «الشبكة الوطنية للإعلام»، و«المنار»، و lbci على الحياد فيما بدت «أم. تي. في» مشغولة بهاجس غياب لقاءات عون/«حزب الله»، فركّزت على التكتل المسيحي الذي أحدثته قضية المياومين، وعلى رهان «كسر الحلف الأكثري» بعد مقاطعة العونيين لجلسة الحكومة الشهيرة.
وكما في التقارير الإخبارية كذلك في البرامج الساخرة. لم يسلم هؤلاء المياومون من التهكم والانتقاص من قيمتهم والأهم محاولة ترسيخ فكرة الاستقواء على الدولة وكسر هيبتها. في إحدى حلقات برنامج «شي. أن. أن» على «الجديد»، قال مقدم البرنامج سلام الزعتري «ما في أحلى من الترخنة على حساب الدولة سآل نبيه وما تسأل حكيم» في اشارة منه الى دعم الرئيس بري للمياومين. وفي حلقة أخرى من البرنامج عينه، سخر الزعتري من العمّال بالقول «ما حدا عارف شو هني المياومين... جبران باسيل كان مفكرهم فريق قطط لغسان الرحباني». الفكرة عينها انتقلت الى OTV في برنامج «أوفريرا». هنا، تم اللعب على الكلام وحذف الحرف الأخير من كلمة «مياوم» لتصبح شبيهة بمواء هّرة عندما أرادت المذيعة تعلّم كيفية لفظ هذه الكلمة في أحد مشاهد البرنامج. أما في «بسمات وطن» على lbci، فقد ركز الكاتب والمخرج شربل خليل على قدرة المياوم على تحدّي الدولة والاستقواء عليها عبر اسكتشات توضح جلياً هذا الأمر، فتحدّث مثلاً عن كيفية الحصول على معاملة رسمية مخالفة للقانون تحت ضغط لقب «مياوم»، وأيضاً عن عصيان الدولة عبر إشعال الإطارات من دون سبب... وكل ذلك بفعل «هيبة مياوم»!



الإقطاعيون الجدد

أنشئت مجموعات على فايسبوك ضمت أفراداً وفعاليات معنيّة بحقوق العمال رفعت شعار «نقدم التضحيات والقطاف آت وهو التثبيت». تحولت هذه المجموعات الى ما يشبه غرفة عمليات ترصد ما ينشره الإعلام من قنوات تلفزيونية ومواقع اخبارية الكترونية وتصريحات للسياسيين في ما خص التطورات المستجدة بشأن عملية التسوية التي قد تحصل بين الأفرقاء السياسيين بشأن المياومين. كذلك، واكبت التحضير للتجمّع الذي يقام اليوم على خلفية إخراج الفواتير «خلسة» من مؤسسة كهرباء لبنان. ولم تخلُ هذه المجموعات من دعوة إلى رصّ الصفوف وبثّ الروح الوطنية التي تجمع المسلمين والمسيحيين عبر صور ورموز موحدة. الا أنّ اللافت في هذه الأجواء هو الهجوم على «أو. تي. في» وعلى الجنرال ميشال عون وصهره جبران باسيل. هكذا، انتقد أحدهم «التيار الوطني الحرّ» ووضعه ضمن خانة «الإقطاعيين الجدد».