صنعاء | كان حلمي سالم، (ما أقسى صيغة الماضي هذه!) مُحباً لليمن بشكل مثير لأكثر من سؤال. عندما كانت تأتيه دعوة لحضور مهرجان شعري في صنعاء وتتزامن مع دعوات أخرى في بلد خليجي آخر، كان يضع اصبعه موافقاً على السفر إلى اليمن. كانت المقارنة صعبة بين دعوات دول الخليج وبين الظروف التي سيكون فيها إن حلّ ضيفاً على اليمن.
والفارق كبير. متسع الرفاهية في فنادق الخليج حيث كل شيء حاضر في خدمتك هناك وبين السكن في فندق عادي في صنعاء، عادي جداً. هو الفارق بين كل الأشياء الحلوة التي سيمتلكها هناك وسوف يفقدها هنا، في هذا البلد الفقير. لا نحتاج هنا إلى بصيرة كبيرة كي ندرك مدى نقاوة هذا الشاعر الجميل. مدى انحيازه إلى الأماكن التي يجد فيها ذاته. الأماكن التي يشعر أنها تحبه ويشعر أنّها ملتصقة به.
هي ذاتها الأماكن التي يصنعها، ولا تصنعه. هي الثقة في الذات وفي الشعر الذي كان يفعله، وفوق ذلك: شعري سيبقى. كأنه يقول هذه العبارة من غير تبجح أو مزايدة.
كيف يمكن أن تتصرف مع شاعر يثق بذاته إلى هذا الحد! كنت أقول لنفسي قبل أن أعرفه بشكل شخصي في القاهرة. المعنى الشخصي هنا يُقصد به الحوار الشخصي. مقابلة الشخصية التي أتت كي تطلب منه شيئاً. في مكتبه الصغير. مكتب في حزب التجمع. ومنه يدير كل تلك الهالة التي تفعلها مجلة «أدب ونقد». سألته: أمن هذا المكان الصغير تفعلون «أدب ونقد»! كل هذا الأدب والنقد من هذا المكان المحاصر بالمكان؟ فقال: «نعم. من هنا».
وسألته أيضاً أو طلبت منه أن يأتي لي بعدد أنجزته «أدب ونقد» خصيصاً لـ «ثورة 25 يناير» وفيه قصيدة منشورة للشاعر اليمني عبد العزيز المقالح. كان هذا الأخير قد طلب مني جلب هذا العدد من القاهرة. وقتها كانت الصحف والمجلات المصرية محجوبة عن الوصول إلى اليمن أيام الثورة، أيام الحصار. ولهذا لم تصل المجلة الى بلادنا.
لكن أيضاً، كان العدد قد نفد من أسواق القاهرة وقت نزول العدد. نفد سريعاً لفرط ما كان يحتويه من توثيق لـ «ثورة 25 يناير»، لفرط حلاوة النصوص التي كان يحملها. ولذا كانت فقط نسخ خاصة بأرشيف المجلة. قال المشرف على هذا الأرشيف: خلصت النسخ من هذا العدد.
لكن حلمي سالم قال للمشرف على الأرشيف: هات نسخة لليمن. كأنّه يقول: هذه نسخة لليمن التي أحبها.