بين سهرات «مسرح الجنينة» في مصر وأمسيات «مسرح بابل» في لبنان، يطغى الصوت النسائي على رمضان هذه السنة. نقف هنا عند محطتيْن من برنامج «بابل»، يجمعهما توجيههما تحيّتيْن غنائيّتيْن إلى رمزيْن راحليْن طبعا الأغنية العربية بإبداعهما على مستوى الأداء والصوت من جهة، وعلى مستوى اللحن والرسالة الإنسانية من جهة أخرى. الموعد الأول تحييه اللبنانية سارة الهاني (26 و27/7)، ويتمحور حول ريبرتوار أسمهان.
والثاني تحييه السورية بادية حسن وتؤدي خلاله من ألحان الشيخ إمام. لطالما شكّلت المناسبات الدينية عنصراً أساسياً في الحياة الاجتماعية، خصوصاً في الشرق. لكنّ حضور الجانب التجاري غلب مع طغيان التوجّه الاستهلاكي على سلوكنا اليومي. وبالتالي تفعّل النشاط الفني، خصوصاً الغنائي، خلال هذه المناسبات، مع ملاحظة تطوّر تدريجي خلال السنوات الأخيرة، قد يكون سببه تجاريّاً بحتاً. وهنا يكمن بيت القصيد. فمراقبة بسيطة لهذه الظاهرة تبيِّن لنا مفارقة دالّة: الجانب «الطاهر» من الممارسات الدينية (الصوم مثلاً)، يفرض فناً راقياً عموماً، كما هي الحال في رمضان، بينما يجنح الفن في المناسبات الدينية «الاحتفالية» إلى الأغنية التجارية (عيد الفطر مثلاً). ما دفعنا إلى هذه المقاربة هو مشاركة النجمة التي تغني أسمهان على خشبة مسرح، بينما ستطلّ بعد شهر في أحد الملاهي حيث لا أسمهان ولا مَن يُطرَبون. تتمتّع سارة الهاني بالحدّ الأدنى من القدرات الصوتية التي تجعلها أفضل بكثير من زميلاتها (سابقاً) في «روتانا»، غير أنّ التناقض في مسيرتها، بين التجارية (أغانيها الخاصة) والأصالة (الطرب الشعبي)، لا يطمئن الجمهور الجدّي. بالعودة إلى أمسيتيْها المرتقبتيْن في «بابل»، ستؤدي المتخرّجة في «استوديو الفن» باقة من كلاسيكيات اشتهرت فيها أسمهان، لكن البرنامج سيشمل أيضاً أغنيات لصباح، ووردة، وعبد الوهاب، وأم كلثوم وفايزة أحمد. ينطبق هذا الكلام بحِدّةٍ أقلّ على بادية حسن. الفنانة السورية لم تدخل يوماً نادي الأغنية التجارية، لكن مسيرتها تحمل وجهيْن غير متشابهَيْن، ولو أنّهما لا يتناقضان. أساساً، ريبرتوارها محدود ونتاجها الخاص أيضاً، ما لا يسمح بوضع عناوين كبيرة على تجربتها. مثلاً، الألحان القليلة التي وصلتنا ليست استثنائية، علماً بأنّ الكلمات التي تكتبها صادقة وذات قيمة إنسانية، كما في أغنية «قلتلك ارسمْلي لوحة» و«جيتي ونوّرتينا» (المهداة إلى فيروز).
الجمهور اللبناني يعرف بادية حسن، خصوصاً من مشاركتها في مهرجان «نساء في مجتمعات مهدّدة»، قبل أشهر في «بابل». يومها، قدّمت ابنة اللاذقية أمسيتيْن غنّت خلالهما التراث السوري وبعض الفيروزيات. أمّا ضمن برنامج «بابل» الرمضاني، فتحيي بادية أمسيتيْن أيضاً. والمفارقة أنّها ستغنّي من أعمال الشيخ الشيوعي في مناسبة شهر رمضان. إذا وضعنا جانباً ألحانه الخلابة، فإنّ نصوص أغانيه غير المُسيَّسة لا يتعدى عددها أصابع اليد الواحدة... فماذا اختارت بادية لأمسيتها من ريبرتوار إمام/ الفاجومي، خصوصاً أن النظام الجديد في مصر لا يروقه الشيخ الضرير ولا فنّه... والعكس صحيح!



سارة الهاني: 9:30 مساء 26 و27 تموز ــ «مسرح بابل»
بادية حسن: 9:30 مساء 13 و14 آب ـــ «مسرح بابل»