دمشق | يثبّت مظفّر سلمان (1976) اللحظة بالأبيض والأسود. العصفور الميت الذي تتصدّر صورته غلاف كتابه «أصابعه لا تشير إلا إلى الفراشات» (الدار العربية للعلوم ناشرون) مجرد خديعة أولى لمحتوى الألبوم الصادر بمنحة من «المورد الثقافي». هناك حياة أخرى تتسلل ببطء إلى العين، سبق أن شاهدناها في معرضه الفردي الأول «بونكتيوم» في معهد غوته (دمشق، 2010). صور تحفر في الظلال حكايات مضمرة عن شخوص وأمكنة وذكريات. نمسك بطرف الخيط لننسج تلك الحكايات كما نشتهي من دون دليل.
ذلك أن هذا المصوّر السوري الشاب يضع بين أيدينا حصيلة تجواله خلال سنوات، من لحظات إنسانية نادرة التقطها أثناء عمله مصوّراً صحافياً في دمشق. حكايته مع الصورة بدأت باكراً، مع كاميرا zenit روسية، استعارها من أحد أصدقائه، قبل أن يقتني كاميرا متطوّرة، ويخضع لدورة في التصوير الاحترافي. هكذا، كان يختفي ساعات طويلة في «قبو» المنزل، لينهمك في تظهير الصور. يقول: «في هذا الكتاب، أشير إلى تلك الكائنات التي تطير نحو الضوء أبداً... كائنات غرفة القبو. كنت أعمل منذ منتصف الليل حتى الساعة السادسة صباحاً، منتهياً بمرحلة غسل الصور». ويضيف: «في الظهيرة، عندما أكون متعباً، والشمس شبه عمودية، تتحوّل غرفتي الصغيرة إلى كاميرا حقيقية؟ مستلقياً على الكنبة المعدنية بصمت، مطفئاً الضوء، كنتُ أستمتع بانعكاس ظلال المارّة في الشارع على حائط «قبوي». أراقبهم كيف يتشكّلون، من زاوية الحائط، يبدأون بالظهور خيالاً ضئيلاً مغبشاً، ليصير أكثر وضوحاً في المنتصف، ثم يتلاشى في الزاوية التي تقابل الحائط. امتلأتْ غرفتي بالبشر... بصورهم، وخيالاتهم؟ هذه الغرفة المكونة من الجدران الأسمنتية القوية، ليستْ إلا ملجأً حربياً منزلياً، ذا نافذةٍ صغيرة مضيئة».
يفتتح الألبوم بلقطة من نافذة قطار حمص ــــ دمشق، نحو «قلعة دمشق»، و«الجامع الأموي»، قبل أن يتطلّع إلى حركة الغيوم وأجنحة الطيور في سماء داكنة في تدرجات لونية تؤكد التفاصيل، واستنفار الحواس. بعد ذلك، يوثّق انتظار اللاجئين العراقيين في دمشق وصول أنجلينا جولي، ويوثق كذلك انتظار نساء ريفيات موكب وزيرة الشؤون الاجتماعية في منطقة سورية منكوبة، أو انتظار جمهور كرة القدم في ملعب ما. تتناوب عدسة مظفّر سلمان ما بين الداخل والخارج في تأطير لقطة يصعب تكرارها. هناك صورة رجل من الخلف يحمل حقيبة عليها صورة غيفارا، تبرز من أعلاها نارجيلة. في لقطة أخرى، يصور إعلاناً لفساتين الأعراس على حائط مقبرة، وأخرى لحبل غسيل يغصّ بالثياب. يشتغل سلمان على الظلال في لقطات لامرأة عارية في تكوينات رصينة. سنقع أيضاً على صور ملتقطة من شوارع نيودلهي وروما. شريكته الشاعرة رنا زيد أهدت إليه عنوان كتابه بعبارة من إحدى قصائدها. هذه الأخيرة ستحضر في لقطات حميمة تؤرخ لعلاقتهما المشتركة.