«لمّا تطفوا الشاشة تذكّروا إنّو الأحداث ما بتوقف» بهذه العبارة، كانت نجاة شرف الدين تختتم «ترانزيت» على قناة «المستقبل». هذا المساء، تودّع الإعلاميّة اللبنانيّة جمهورها لآخر مرّة بعد أكثر من خمس سنوات، قدمت خلالها 237 حلقة، تابعت فيها كيفيّة تغطية الإعلام للأحداث وتعاطيه معها عربيّاً وعالميّاً. لن تغادر الاعلاميّة المحطّة التي انطلقت منها قبل 18 عاماً، لكن ادارتها ارتأت أن توقف البرنامج، رغم أن كلفته الإنتاجيّة أقل من عادية، لأنها مقبلة على مرحلة جديدة، ستلجأ فيها إلى اختبار نوعية برامج، تعتقد أنها قادرة على تأمين دخل إضافي لها، وترتكز على التسلية والمنوعات.
هكذا غصّت الشاشة الزرقاء بهذا البرنامج، ووضعت نقطة النهاية في حياة كل ما هو قادم من القناة الحمراء، ويتعلق بالمتابعات السياسيّة والأمنيّة. وسيستمر الوضع على الأقل حتى نهاية العام الحالي. هكذا تشكل الأشهر المقبلة «جس نبض»، لاكتشاف ما يرضي المشاهد، علماً بأن نجاة تأمل أن يكون توقف البرنامج بمثابة استراحة محارب، تعود بعدها إلى قواعدها سالمة.
تدرك صاحبة برنامج «لماذا الطائف» (2005)، أن مختبر الميديا العربيّة والعالميّة الذي أطلقته لم يكن شعبويّاً، كونه لا يلجأ إلى استقبال نجوم السياسة المحليّة الذين يصفّون حساباتهم على القنوات ليل نهار، ويرفعون نسبة المشاهدة بمشاداتهم الكلاميّة على الهواء. توضح لـ«الأخبار»، أنّها مذ فكرت في البرنامج، أرادته مساحة للحوار الهادئ. هي ليست معجبة بأسلوب الإعلامي محمد الشوبكي، وتقول: «ليس إنجازاً أن تجعل ضيفك يخرج عن طوره، كي تنجح وتتميز، وتحقق سبقاً، فتقطف لحظة ولا تعرف مدى تأثيراتها السلبية على الشارع». وتضيف: «لست مع هذه المدرسة في الإعلام ولا معجبة بها بتاتاً، وأفضّل أن يكون برنامجي حوارياً، أتناول فيه كيف تناقلت الميديا هذا الحدث أو ذاك، وكيف تفاعلت معه». تعتبر أن المرحلة الذهبيّة للبرنامج كانت خلال عامي 2009 و2010، «بعد اتفاق الدوحة، كانت مرحلة سياسية حملت تطورات كثيرة، واستمرت إلى ما بعد انطلاق الثورات العربية»، وهي ترى أن وجود برامج من نوعية ما تقدمه، هو ضرورة. تصف شرف الدين الإعلامي الفرنسي فيليب ديسان (أحد ضيوف الحلقة الأخيرة الليلة) بأنه ملهمها، لكون «ترانزيت» هو النسخة العربيّة لبرنامجه الفرنسي «كيوسك» المستمر منذ عام 1995 من دون توقف على قناة TV5. وتوضح أن «ديسان لا يزال يجمع الصحافيين والمراسلين الدوليين لمناقشة السياسة الفرنسيّة والعالميّة منذ 17 عاماً».
تتذكر الإعلامية اللبنانيّة محطات نجاحها، وتعرب عن اعتزازها بتجربتها كمراسلة في حرب العراق وفي باكستان وتغطيتها للقمم العربيّة، وتعتبر أنّ هذه التجارب ساعدتها في برنامجها «ترانزيت» الذي انطلق على شاشة «المستقبل» في آذار (مارس) 2007، وتزامنت انطلاقة حلقاتها مع اعتصام المعارضة يومذاك في وسط بيروت. وبعدها انتقلت إلى قناة «أخبار المستقبل» عند افتتاحها. وخلال هذه السنوات، استضافت مجموعة من الصحافيين من لبنان والوطن العربي والعالم، منهم الصحافي والمؤرخ الأميركي نورمن فنكلستين، والصحافي البريطاني روبرت فيسك، والكاتب والصحافي البريطاني باتريك سيل، تشرح: «ليس بالضرورة أن يتفق ضيوفي مع موقف المحطة السياسي. لذا استطعت استقبال ضيوف من الطرف الآخر، من قناة «المنار» مثلاً». وعما إذا كان اسم نجاة شرف الدين وهدوء حوارها يشكلان مصدر ثقة للضيوف، يجعلهم يلبّون دعوتها حتى لو كان لديهم موقف من الظهور على «المستقبل»، تؤكد أن «هذا الأمر حصل فعلاً». ترفض أي تصنيف في خانة طائفيّة: «لا أعتبر أنني منتمية إلى طائفة معينة، فأنا مواطنة لبنانيّة علمانيّة لا أؤمن بالطوائف، وخياراتي معروفة». وإذا كانت اللحظة الانتخابيّة هي التي تحدد التوجهات السياسيّة، تسارع إلى القول: «أنا لا أنتخب، كما أنّ ولادتك في طائفة معينة ليست خياراً، وانتماءك تستمده من قناعاتك وتجاربك في الحياة».
وفي ظل الاصطفافات السياسية والانقسامات الحزبية المستمرة، تأسف شرف الدين لعدم وجود قناة لبنانيّة تتابع ما يجري بموضوعية ومن دون حسابات خاصة، بينما تبدي إعجابها بمهنية BBC، «لأن خطها هادئ وغير منحاز». وتفضل شرف الدين ألا تعطي رأياً نهائيّاً في شأن قناة «الميادين» وأدائها. ومع ذلك، تصفها بأنها «لا تمتلك هويّة مشروع اعلامي جديد، وتبدو كأنها تبث منذ أكثر من عشر سنوات، كما أن صورتها وألوانها وحواراتها قديمة، بينما صار إيقاع الميديا اليوم أكثر سرعة وعصريّة».



«ترانزيت» 21:00 على «المستقبل»: مع الاسباني خافيير ماس دي خاخاس من la vanguardia، والكندي ريتشارد جزبرت صاحب The listening post (الجزيرة الإنكليزية)، الخبير الاستراتيجي سام غراهام فلسن، المصرية سلمى شكر الله من موقع «الأهرام أونلاين» والفرنسي فيليب دوسان صاحب برنامج «كيوسك»

لقد تم تعديل هذا النص عن نسخته الأصلية المنشورة بتاريخ 19 تموز 2012