كابي ليّون وزير ثقافة مثالي. يملك تصوّراً لانعاش الحياة الثقافيّة، كما يفترض بشخص في موقعه السياسي، وجعلها قطاعاً تنمويّاً، يدعم اللحمة المدنيّة والاستقرار الأهلي. يستميت دفاعاً عن حريّة التعبير، بدليل أن أي عمل فنيّ لم يمنع، أو يشوّه، في عهده الميمون. أما في القضيّتين اللتين لوّثتا سمعته أخيراً، فمعاليه ضحيّة مؤامرة دبّرتها ترويكا وزراء الثقافة السابقين. وهو منكب حاليّاً بكل جوارحه على «حماية» آثار ميدان الخيل الروماني. أما «مديريّة الآثار»، فقد اكتشفت أنّها كانت مخطئة في استنتاجاتها السابقة بشأن المرفئ الفينيقي الذي ليس مرفأ ولا فينيقيّاً، فعادت عن الخطأ، ورفع الوزير الحماية عن الموقع، لتهرع «جرّافات» ربّة الجمال (فينوس)، وتنظّفه من «كومة الحجارة». خلص اتفقنا. الوزير ليّون لم يبع ذاكرة بيروت للمستثمرين المتوحّشين، كما فعل أسلافه منذ قيام «الحريريّة». وزير ثقافتنا لا يعمل «باش كاتب» عند سماسرة رأس المال الطفيلي الذي يلتهم المدينة. مفهوم؟
لكن ماذا عن ادائه أوّل من أمس، على «الجديد»، عند غادة عيد التي جاءت تسائله عن قضايا تشغل الرأي العام منذ أسابيع؟ مقدّمة برنامج «الفساد» كانت رفيقة بضيفها على غير عادتها، ومع ذلك فقد بدا معاليه في وضعيّة دفاعيّة مريبة. انتظرنا وزيراً هادئاً، منفتحاً على النقد، متسلّحاً بالمنطق، رافعاً مستوى النقاش، ومخاطباً وعي المشاهدين وذكاءهم… فإذا بنا أمام مستبد صغير، يريد الاستئثار بالحلقة، يزدري منتقديه، ولا يريد لهم أن ينبسوا ببنت شفة. بدا متعالياً ومتسلّطاً وديماغوجيّاً وتعليميّاً، يتمسّك بمنطقه الاختزالي، يرى المؤامرة في كلّ مكان، يردّ قبل أن يُسأل، ويتهم بدلاً من أن يوضح. فهو وحده (مع خبرائه) مصدر المعرفة ومالك الحقيقة. معاليه لا يناقش إلا مع خبراء، فالنقاش حول هويّة المدينة، ومقاومة الغزو الوحشي للمقاولين هو «خناقة خبراء».
بدا ليّون مصارعاً أكثر منه وزيراً للثقافة. استعمل كل وسائل الابتزاز والقمع والتشويش الممكنة لمنع السجال. كانت الصورة مذهلة على الشاشة ليلة الأربعاء: وزير لا يعرف كيف يسمع الآخرين، لا يقبل بأي نقد أو اتهام، لا يترك مساجلاً يكمل جملته. وزير ثقافة يتوعّد ويتّهم، لا يعرف ما هو حقّ الردّ، ويحتقر «الصفحات الأخيرة» في الجريدة. ولعلّ البدعة التي اخترعها مباشرة على الهواء، ستبقى في أنطولوجيا النقاش الديموقراطي، وفي أرشيف انجازات وزارة الثقافة: ممنوع على أي موظّف أن يدلي برأيه في برنامج سجالي عن «الفساد»، في حضور وزيره!