دمشق | في مثل هذه الأيام من كل عام، كانت تتحول المشاهد الحياتية في شوارع دمشق إلى ما يشبه كرنفالات ومهرجانات تسوّق يتسابق فيها سكان العاصمة إلى شراء احتياجاتهم الرمضانية، وهم على مقربة من شهر تعتريه طقوس خاصة بكل المقاييس.
تمر صوَرُ من يستعدّون لشهر الصوم على شاشات المحطات السورية باستمرار، لتعكس واقعاً حقيقياً تسكن تفاصيله في وجدان كل من يمرّ في أسواق العاصمة محاولاً تذكر أسماء بواباتها السبع، وساعياً إلى التزوّد بمؤونة خاصة بشهر رمضان. ربما يكون التمر هندي والعرق سوس هما السلعتان الأكثر تقاطعاً في قوائم شراء غالبية السوريين. في السنوات الماضية، كانت الرحلة الخاطفة من سوق الحميدية، مروراً بباحة المسجد الأموي، وصولاً إلى سوق التوابل (البزورية)، وسوق المجوهرات (الصاغة)، وسوق «مدحت باشا»... تكشف سراً يكتنز تفاصيل خاصة عن إحياء أهل الشام تقاليد عريقة مرتبطة بالتحضيرات لشهر الصوم. تفاصيل يكتنفها صوت الحكواتي الوحيد الذي ما زال يحيي ليالي «مقهى النوفرة» تحديداً في رمضان كل عام، إضافة إلى زينة كهربائية في بعض الأحياء الدمشقية العريقة، وارتفاع أصوات الموالد والأهازيج الدينية. كل تلك الملامح كانت تخلق خصوصية لعاصمة الأمويين، تبشر بقدوم شهر رمضان الذي تتشارك في طقوسه كل الأديان، خصوصاً في يومه الأول.
الرحلة السريعة يمكن أن تتكرر هذه الأيام، لكنها لن تضيء على كل ما سبق، بل ستكشف عن وجوم وقلق عميقيْن يرخيان بظلالهما على أيام السوريين، واستعداداتهم لشهر الصوم. صحيح أن المزاج العام بات ميالاً نحو الكآبة واليأس وانتظار موت محتمل منذ شهور طويلة؛ لكن الخوف يبلغ ذروته في هذه الأيام لاقتراب رمضان. سيحاول كثير من السوريين في المساحات المتبقية لهم من هدوء نسبي، التزام منازلهم وعدم الخروج منها إلا للغايات الضرورية، طالما أن الأخبار المتتالية عن الشام تتلخص في سلسلة انفجارات: مرة أمام قصر العدل مقابل تمثال صلاح الدين، ومرة ثانية في حي الفحامة في البرامكة، ومرة في أوتوستراد العدوي الذي شهد انفجاراً يوم أمس، إضافة إلى طغيان صوت الرصاص على أصوات الموالد والأذكار!
رمضان دمشق هذا العام يرعب قلوب السوريين ويخيفهم، رغم تبادلهم التهاني والمباركات بقدوم شهر يعرّفونه بشهر التسامح والرحمة والغفران؛ لكن كثيرين يتوقعون أن تخالف أحداث رمضان كل تلك القيم، وأن يكون استثنائياً للعام الثاني على التوالي.