القاهرة | في مشواره الفني المميز والشحيح في الوقت ذاته، أخرج المصري توفيق صالح سبعة أفلام، جميعها مأخوذة من نصوص روائية، لكن يظل الأقرب إلى قلبه فيلما «يوميات نائب في الأرياف» (عن رواية بالاسم ذاته لتوفيق الحكيم)، و«المخدعون» (1972) المأخوذ عن رواية «رجال في الشمس» لغسان كنفاني.
هذا الشريط الذي واجهت تنفيذه صعوبات وتأجيلات كثيرة، شارك به صالح في «مهرجان كان السينمائي» ضمن برمجة «أسبوعا النقاد»، بعدما استحالت مشاركته في المسابقة الرسمية بسبب انتهاء موعد استقبال الأفلام. لكن مع ذلك، لاقى الفيلم إقبالاً واسعاً، وأشاد به الكثير من النقاد، وقد أثار عاصفة من الغضب الصهيوني حين عُرض في فرنسا. لكنّ هذا لم يكن عثرة في طريق «المخدوعون» الذي نال جوائز عدة، من بينها «التانيت الذهبي» في «أيام قرطاج السينمائية» (1972)، وجائزة «المركز الكاثوليكي» في مصر (1975). لكنّ الغريب أنّ الفيلم لا يزال يُطلب للعرض في مهرجانات كثيرة إلى اليوم، حتى أن «مهرجان دمشق السينمائي الدولي» كرّم مخرجه بعد 30 عاماً من رفضه إياه لأنه «دون المستوى»، وكان التكريم بناء على أن «المخدوعون» يعتبر «من أهم إنجازات السينما السورية»! الفيلم أيضاً، بحسب وصف صالح، «من أهم 100 فيلم سياسي في العالم». ويقول مخرجه إن غسان كنفاني شاهد الشريط قبل وفاته، «حيث ذهبت إلى بيروت وأخذت الفيلم معي من أجل الحصول على موافقة كنفاني. لم يكتفِ غسان بالموافقة فقط، بل احتجزه طيلة أسبوع من أجل عرضه أمام عدد من أصدقائه وزملائه من «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» حينها». بعدما اشتهر الفيلم، رأى كثيرون أن السينما الفلسطينية لم تستطع تقديم شريط يتجاوز «المخدوعون» حتى اليوم. يفخر صالح بهذا، معتبراً أن العمل «محاولة لإيقاظ الشعب العربي من غفلته». وقد قارن البعض بين الفيلم والرواية، ليخلصوا إلى أن «أكثر ما ميّز «المخدوعون» هو إخلاصه لرؤية غسان كنفاني في «رجال في الشمس»». الفيلم الذي أدى بطولته كل من محمد خير حلواني وعبد الرحمن آل رشي وبسام لطفي، تدور أحداثه في مدينة البصرة العراقية عام 1958. هناك وفي ذلك الوقت، يقرر ثلاثة فلسطينيين الهرب إلى الكويت من أجل البحث عن فرصة عيش أفضل. لن يجد هؤلاء فرصة لدخول الحدود إلا إذا وافقوا على الاختباء في خزان صهريج مخصص لنقل الماء. يسير بهم في سيارة قاطعاً الصحراء في ظهيرة صيفية قائظة، وعند الوصول إلى الحدود الكويتية، ينشغل السائق مع أحد رجال الجمارك الكويتيين الذي يصرّ على أن يروي له قصته مع راقصة عراقية. هكذا، سينسى السائق الفلسطينيين الثلاثة الذين سيموتون بفعل الحرّ والعطش. عندما يعود السائق، ويكتشف ما جرى، سيتخلص من جثث الفلسطينيين برميها في القمامة.... في النهاية التي وضعها غسان كنفاني لـ«رجال في الشمس»، يتشنّج السائق أمام الجثث التي رماها، ويوشك رأسه أن ينفجر من فكرة مفزعة سيطرت عليه: «لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟... لماذا؟!». لكن هذا لن يحدث في الفيلم، حيث النهاية صامتة هنا: نرى الأشخاص الثلاثة وسط القمامة، ويد واحد منهم (أبو قيس) متصلبة ومرفوعة إلى الأعلى، كأنها مهيأة لحمل راية أو بندقية، أو قد تكون القبضة المتكورة كناية عن احتجاج صامت.