دمشق | يشيّع السوريون أحلامهم بمحاذاة موتاهم الذين يسقطون كل يوم. لكن مع ذلك، ما زال هناك مَنْ هو قادر على الحلم ورسم صورة مشرقة للمستقبل، وخصوصاً طلاب المدارس الذين اعتادوا أن يجيبوا عن السؤال التقليدي: «ماذا تريد أن تصبح في المستقبل؟» بكلمة واحدة: دكتور! المهنة التي زُرعت في أذهان الأطفال السوريين، ويختار دراساتها كل المتفوقين في الشهادة الثانوية، ليس لها علاقة بمهنة الرئيس السوري على الإطلاق، بل هي حلم يبدو صعب المنال نتيجة ارتفاع المعدّلات التي تخوّل الطلاب دخول كلية الطب وبقية الفروع العلمية. ومع التحول نحو خصخصة التعليم الجامعي في سوريا، بات الحلم مقتصراً على الفقراء من السوريين، ما دامت الجامعات الخاصة مستعدة لتدريس الطب ومختلف الفروع الجامعية الأخرى مقابل المال!
كل تلك التفاصيل كانت مواضيع مطروحة للنقاش وتستحق الوقوف عندها... لكن في الماضي، أي عندما كانت عاصمة الأمويين نموذجاً يحتذى به بالنسبة إلى الأمان الذي كان ينعم به أبناؤها. لكن اندلاع الانتفاضة وخروج أماكن كثيرة من قبضة النظام وسيطرته الأمنية، خلطا الأوراق كلياً، لا أوراق اللعبة السياسية فحسب، بل حتى أوراق امتحانات الشهادة الثانوية التي انتهت منذ أسابيع، وصرح وزير التربية السوري بأن نتائجها ستعلن في 20 تموز (يوليو) الجاري. نتائج ستحمل «نكهة مختلفة»، وخصوصاً مع حالة انفلات مطلق شهدتها مئات المراكز الامتحانية التي تجري اشتباكات عنيفة بالقرب منها، أو يدخلها عناصر «الجيش الحر» ويشرف بنفسه على عمليات الغش. إضافة إلى ذلك، ساعد وجود مراقبين وطلاب من القرى والبلدات نفسها في محافظة ريف دمشق تحديداً، على خلق تعاطف شديد لدى المراقبين الذين سهّلوا على الطلاب مهمة الغش ونقل الإجابات حرفياً من الكتب... فيما اختار بعض الطلاب خلق بلبلة مقصودة في قاعات الامتحان وترديد بعض الشعارات المناهضة للنظام لإجبار المراقبين على الصمت عن حالات الغش ونسخ الإجابات حرفياً من مصادرها الأصلية!
المعلومات التي تناقلها السوريون بسرعة قياسية وأكدها لـ«الأخبار» الكثير من القائمين على العمليات الامتحانية، جعلت بعضهم يتحسّر لأنه لم يتقدم من جديد إلى امتحان الشهادة الثانوية هذا العام، عساه يحيي حلماً قديماً ويدخل كلية الطب من أوسع أبوابها! لذلك، لن يكون مفاجئاً ارتفاع معدلات نجاح الشهادة الثانوية هذا العام، ولن يكون سهلاً على وزارة التربية السورية التحكّم بمعدلات نجاح طلابها.