تونس | مع بداية موسم الصيف المعروف بمهرجاناته ولياليه الساحرة، خصوصاً تلك المقامة على ضفاف المتوسط، استعادت الحياة التونسية الكثير من الهدوء الذي طبعها طوال سنوات سبقت «ثورة 14 يناير». فجأة، اختفى السلفيون الذين عكّروا الحياة بملابسهم الغريبة عن بيئة البلد، وتصوّرهم المخالف للإسلام، بعد فترة شهدت عنفاً مارسوه ضد مؤسسات الدولة، وحتى المواطنين العزّل. كانوا سبب اندلاع الشغب في حزيران (يونيو) الماضي، في ما بات يُعرف بأحداث معرض العبدلية في ضاحية المرسى (الأخبار 13/ 6/ 2012، 23/ 6/ 2012). أحداث موجعة ودامية دقّت جرس الإنذار للشعب التونسي المعروف بتسامحه ونبذه للعنف. وكان زعيم «حركة النهضة» راشد الغنوشي قد دعا مواطنيه إلى النزول إلى الشارع لـ«نصرة المقدّسات» يوم الجمعة ١٥ حزيران (يونيو)؛ إلا أن الصرامة التي واجهت بها وزارة الداخلية هذه الدعوة، ورفضها السماح بتهديد الأمن العام، دفعا قيادات «النهضة» والسلفيين إلى سحب دعوتهم، وهذا ما اعتبره البعض «مسرحية مدبّرة». منذ تلك الجمعة، اختفى السلفيون من المشهد العام، واختفت معهم كل المظاهر الغريبة التي استوردوها إلى المجتمع التونسي. صحيح أن التونسيّين فرحون باستعادة حياتهم اليومية الجميلة ذات الإيقاع العربيّ المتوسّطي الإسلامي، إلا أنهم حائرون أمام هذا الغياب المفاجئ للأصوليين الذين لم يعكّروا حتى الآن صفو الشواطئ ومهرجانات الصيف. هكذا، اختلفت تفسيرات هذا الغياب، فهناك من يرى أن انسحابهم «تكتيكي» لتجنب المواجهة مع مصالح وزارة الداخلية التي ضاقت ذرعاً بتحديهم الأمن، خصوصاً مع إعلان الوزير علي العريض أكثر من مرة استعداد الأجهزة الأمنية لمواجهتهم (السلفيين)، داعياً إياهم إلى الكفّ عن العنف وتهديد الحياة الخاصة للمواطنين. رأي آخر يقول إن انسحاب الأصوليين «تم بالاتفاق مع قادة «النهضة» الذين يعملون على ربح معركة الانتخابات القادمة، وبالتالي تجنّب كل ما قد يُحسب عليهم من ممارسات تتعارض مع عادات التونسيين وتقاليدهم»... لكنّ هناك تفسيراً آخر قد يكون منطقياً، وهو انشغال هؤلاء في «الإعداد» لشهر رمضان، الأمر الذي يخشاه كثيرون. وقد اعتاد التونسيون على المقاهي المفتوحة في شهر الصوم خصوصاً في المدن الكبرى؛ إلا أن ذلك قد لا يكون متاحاً هذه السنة، مع وجود «حركة النهضة» الإسلامية في الحكم، ما قد يشجع السلفيين على فرض إملاءاتهم لغلق كل المقاهي والمطاعم التزاماً بفريضة الصوم في الشهر الكريم.مع ذلك، تتواصل المهرجانات المتنوّعة بين فنون الموسيقى والمسرح والرقص والسينما. ويتمتع التونسيون بدفء نسمات البحر في صيف قائظ. ورغم الأزمة الاقتصادية التي يشهدها بلدهم، إلا أنّهم يقبلون بشراهة على الحياة متناسين أشهراً صعبة من الاعتصامات والإضرابات والفوضى والجدل السياسي، من دون أن يخفوا مخاوفهم من «مفاجآت رمضانية» واردة.