قدّمت الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية بقيادة هاروت فازليان «تحية إلى مؤلفين لبنانيين» مساء الجمعة الماضي في قصر الأونيسكو (بيروت). ضمّ البرنامج أعمال ناجي حكيم، بشارة الخوري، بوغوص جلاليان، غبريال يارد والأخوين رحباني.إذا غضضنا الطرف عن بعض أخطاء التنفيذ، كانت الأمسية جيدة، بل ممتازة في لحظات الأداء الموفّقة. استُهِلت بـ «افتتاحية لبنانية» لناجي حكيم. العمل يمكن تصنيفه في خانة الـ «رابسودي»، لتضَمُّنِه وقيامِه على ألحان من الفولكلور، اللبناني والمشرقي في هذه الحالة. المقطوعة مشغولة بإتقان، لكن ضرورات القواعد الموسيقية الغربية، أسقطت الهوية عن بعض الألحان، تلك التي تتضمّن أرباع الصوت. أما Harmonies Crépusculaires لبشارة الخوري، فمثّلت حلقة متماسكة لنجاحها في ترجمة عنوانها. يكشف هذا العمل الأوركسترالي عن مؤلّف منتمٍ بوعي إلى زمنه، الزمن الأسود المحكوم بالأمل والمضطرب بين تأمل واحتقان وانفجار. أما سلسلة المقطوعات الأوركسترالية السبع (67/1966) لبوغوص جلاليان، فتبيِّن الهوية الشرقية/الغربية لمؤلفها الراحل والجانب الطليعي من شخصيته، إذ تفيض بأفكار تجعلها كتلة كثيفة بثلاثة أبعاد أساسية: النَفَس المعاصر (القالب العام)، الارتباط بالشرق (تلميحات نغمية)، التعقيد الهارموني (ذروته عند محاكاة باخ في ما يُعرَف بالـ «فوغ»). أما موسيقى غبريال يارد والمتتالية السمفونية التي أعدّها غدي وأسامة الرحباني انطلاقاً من «جبال الصوّان» للأخوين رحباني، فلا ضرورة للتوقف عندهما.

يارد هو من رموز التيّار الاختزالي، المتمثِّل في التعبير السطحي عن الأحاسيس. أما إعداد «جبال الصوّان»، فلم يقدِّم جديداً على الأصل، وجُلّ ما استمتعنا به هو العزف الحيّ لما نعرفه. أخيراً، أن تأتي الالتفاتة إلى المبدعين المحليين متأخرة، أفضل من أن لا تأتي أبداً. أيام الراحل وليد غلمية عانى بعض هؤلاء التهميش. رحل الرجل السنة الماضية. حزنّا لخسارته، لكنّ آفاقاً جديدة لاحت أمام الأوركسترا. فتحتْ أبوابها للمؤلفين اللبنانيين، فحبسنا أنفاسنا. أوّل غيث هذه السياسة جاء مُوحِلاً، ونقصد هنا أمسية ميشال فاضل، رمز موسيقى الـ Easy Listening الذي لا تشفع له مرافقته على البيانو لأسطورة مثل فيروز!