عمان | ضمن فعاليات «مهرجان الربيع»، يعود تامر أبو غزالة الليلة ليقدّم حفلة في «دوّار الشمس» بعد عشر سنوات على آخر أمسياته التي قدّمها في «مركز الجزويت الثقافي» في الإسكندريّة عام 2002. وقتها كانت الأمسية اختباراً لنماذج من أسطوانته الأولى واليتيمة «مرآة» (2008). خلال هذا الوقت، انشغل الفنان الفلسطيني المجدِّد (1986) بترسيخ مكانة مؤسسة «إيقاع» التي أسّسها عام 2007 بغية مواكبة موجة الموسيقى البديلة الجديدة وإنتاجها وتنظيم العروض لأبرز موسيقييها.
في غمرة هذا الانشغال، نسي أبو غزالة، المقيم في القاهرة، مشروعه الموسيقيّ الذي بدأه مبكراً بأغنية «ما في خوف» التي أصبحت لازمة الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية. وبعدما أصدر أغنياته في أسطوانة «جناين الغنا»، تعلّم على يد الموسيقي الفلسطيني خالد جبران الذي شكّل علامة فارقة في مسيرته، ليصدر أسطوانة «مرآة» من ألحانه، وكلمات حسين البرغوثي، وقيس بن الملوّح وسلوى جراح، إضافة إلى كلماته. هذه الأسطوانة كان عنوانها العريض تجديد العلاقة بين النصّ واللحن، وتخريب المزاج العربي المعاصر المطمئن للموسيقى الاعتياديّة. تمثّل ذلك في التعامل مع النص الكلاسيكي (قصيدة ابن الملوّح) كنصّ نثريّ مع الاحتفاظ بغنائيّة الإيقاع، والتوزيع الموسيقيّ المتوتّر.
ورغم هذا الانقطاع، أشبع أبو غزالة الحاجة إلى الإنتاج عبر المشاركة في مشاريع موسيقيّة عدة، منها فرقة «كزا مدى»، و«مشروع كورال»، وفرقة «جهار»، و«ثورة قلق». وأخيراً، أنتج أسطوانة مريم الأولى «مش بغنّي».
إلى جانب عدد من أفضل الموسيقيين كالسوري خالد عمران (باص وغيتار)، والمصري شادي الحسيني (بيانو)، والعراقي خيّام اللامي (الدرمز)، يقدّم أبو غزالة (عود وبزق وصوت) الليلة عدداً من أعماله («حب»، «مرآة»، «تخبّط»، «دوّامة» من ألبومه «مرآة») والأعمال الجديدة كـ«علامة»، «خبر عاجل»، «فجر البيد» و«حلم» (كزا مدى)، إضافة إلى استضافة مريم في أغنية «القتيل رقم 18» من قصيدة لمحمود درويش.
يمكن تلخيص هذه التجربة الغنيّة والمبكرة بأنها طليعيّة (Avant-garde). وهذه ميزتها ومقتلها في آن. رغم أنّ أعمال أبو غزالة تتعمّد استفزاز الشكل الموسيقي الكلاسيكيّ والمعاصر (فيوجن الإلكترونيك وقوالب العود والبزق)، إلا أنها أيضاً غير ملهمة على المدى القريب.
هذا ما يجعله يقول في حديثه إلى «الأخبار» إنّه «لا يزال يفكّر بما يمكن أن يقدّمه من جديد موسيقيّاً»، لافتاً ضمناً إلى أنّه يشعر بـ«الإشباع» كمنتج وموزّع بعد عمله على أسطوانة مريم. مع ذلك، كان لإقامته في القاهرة منذ عام 2010 أثر إيجابيّ: «في ظل انقطاعي عن النشاط الموسيقي، وجدت نفسي في بيئة مجدّدة وغنيّة، وخصوصاً الموسيقى الشعبيّة التي أصبحت عنصراً يوميّاً أستمع إليه من الأصدقاء وحتى في الميكروباصات والشوارع». أثر هذا النوع الجديد من الموسيقى جاء على شكل أغنية «مهرجان البلّاعات» التي استلهم فيها الشكل الشعبي للغناء الذي يعكس فترة ما بعد الثورة المصريّة. معيار النجاح الوحيد بالنسبة إلى أبو غزالة، هو سماع الأغنية بالمصادفة من «توك توك» في أحد الأحياء الشعبيّة.
لكنّ أبو غزالة لا يبدو متفائلاً إزاء واقع الموسيقى العربيّة المعاصرة. يعتبر أنّ الأمر لا يتوقّف على الموسيقى، بل على تراكم حضاري من مستويات تعليم ووضع سياسي مشجّع وغيرها من العناصر. صحيح أنّه يرى أنّ طاقات المنطقة وافرة، لكنّها تحتاج إلى وقت كي تختمر. مع ذلك، ينظر بأمل إلى بعض التجارب الأصيلة والطازجة وغير المبتذلة مثل: طارق أبو كويك، خالد عمران، تانيا صالح، مريم، جوان صفدي، وفرق «مسار إجباري»، «مشروع كورال»، «تشويش»، «توت أرض»، «أوتوستراد»، و«المربّع».
على أي حال، حفلة اليوم استعادة للشكل الذي يمكن أن تكون عليه الموسيقى العربيّة مستقبلاً. وهي أيضاً فرصة شخصيّة لأبو غزالة لاستعادة صورته المفقودة على المسرح.



حفلة تامر أبو غزالة: 8:30 مساء اليوم ــــ «مسرح دوّار الشمس» (الطيونة، بيروت) ــ للاستعلام: 01/381290