دمشق | منذ تخرّجه من «المعهد العالي للفنون المسرحية ـــ قسم التمثيل» (2006)، اتجه عروة العربي (1986) إلى العمل في الإخراج. أنجز سبعة أعمال لنصوص مختلفة، قبل أن يخوض التجربة الأصعب والأهم مع «هاملت» التي يقدّمها حالياً على خشبة «مسرح الحمراء» في دمشق. ها. عملية الإعداد والتعديل المضاعفة هذه، أثارت لدى المشاهد المطلع والعارف بتفاصيل النص الشكسبيري الأصلي الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام، بقيت معظمها معلّقة من دون أن تجد إجابات واضحة لها حتى نهاية العرض الذي امتد قرابة ساعتين من الزمن.
أبرز هذه التعديلات هو ظهور طيف الملك المقتول (أدّى الدور عدنان عبد الجليل) فقط على ابنه هاملت (وسيم قزق) في المشاهد الأولى من العرض، بعكس النص الأصلي الذي يظهر فيه الطيف لهاملت ورفاقه، على رأسهم هوراشيو (كرم الشعراني). أيضاً، يغتصب هاملت حبيبته أوفيليا (بتول محمد) في العرض، ويعود ليسرد بعد ذلك مونولوجاته الطويلة عن العفة والشرف، وصراعاته لتحقيق العدالة في الانتقام من قاتل والده. وفي مشهد «حفار القبور» الذي يعتبره الكثير من النقاد واحداً من أكثر مشاهد المسرحية تكثيفاً وإشكالاً، اختصر عصمت والعربي الحوار إلى الحد الأدنى، ما أفرغه من معناه وحضوره الدرامي ضمن سياق العرض. وتجاهل كل من معد النص ومخرج العرض الملاحظات الإخراجية التي وضعها شكسبير على لسان هاملت أثناء تدريباته للفرقة المسرحية التي تزور البلاط الملكي لتقديم عرضها الذي يكشف جريمة الملك كلوديوس (يوسف المقبل) وعلاقته مع الملكة غرترود (أروى عمرين). حاول العربي تبرير تعديلاته هذه قائلاً: «من الصعب حقاً تقديم النص الشكسبيري كما كتب قبل أربعة قرون من الزمن. يحق لأي مخرج في العالم أن يعدّل على «هاملت» أو غيره من النصوص العالمية، لكن بشرط ألا يسيء إلى العمل وبنائه الدرامي».
الأداء التمثيلي، الذي قدمه فريق العمل، لم يبتعد عن تناقضات الإعداد المسرحي، والتلاعب بالبناء الدرامي الأكثر تكاملاً بين النصوص الشكسبيرية. هكذا، اعتمد مجمل الممثلين المشاركين على الأداء الخارجي، القائم على الصراخ وحركة الجسد الانفعالية المجانية، البعيدة عن قراءة وترجمة الصراعات الداخلية التي عاشتها مجمل الشخصيات حتى اللحظات الأخيرة من العرض. تتجلى تلك الصراعات، مثلاً، في شخصية هاملت الذي يدّعي الجنون، ولايرتس (محمود نصر) الذي عاد غاضباً للانتقام لمقتل أبيه بولونيوس (محمد خير جراح) على يد أمير الدانمارك. مجمل الحلول الإخراجية والقراءة المشهدية التي اقترحها وقدمها المخرج الشاب للنص الشكسبيري، كانت خليطاً من مدارس وأساليب مختلفة. الأزياء التي صممتها واستوحتها رجاء مخلوف من أجواء عصر النهضة أعلنت عن الواقعة الكلاسيكية. أما السينوغرافيا التي وضعها زهير العربي، وحدد مخرج العرض معالمها وخطوطها وتفاصيلها أيضاً، فقد بدت مغرقة في الشرطية والتغريب على حد سواء، وخصوصاً مع اختصار عناصر الإكسسوار والديكور في البلاط الملكي إلى الحد الأدنى، لمصلحة المساحات الفارغة التي حددتها المناسيب المختلفة للخشبة، بما فيها الأجزاء المتحركة أيضاً، ودمج الخشبة مع الصالة والجمهور في الكثير من مشاهد العرض في رغبة واضحة من المخرج وفريق العمل لهدم الجدار الرابع، ونقل فضاء التمثيل واللعب إلى أماكن وأزمنة مختلفة، إضافة إلى هذا الخلط والمزج بين المدارس والأساليب الإخراجية. ثمة بعض الأخطاء الفنية البسيطة، مثل سقوط الشعر المستعار لأوفيليا، وانثناء سيف هوراشو، وضعف مشهد المبارزة الذي أداه وسيم قزق ومحمود نصر، والدخان الأبيض الكثيف المرافق لظهور طيف الملك القتيل، الذي أصاب الجمهور بالعطاس وأعمى بصره، وتلعثم عدد من الممثلين في بعض الجمل والكلمات المفصلية الهامة. كل ذلك، أضاع بوصلة المشاهد عن مقولة العرض التي أراد العربي إيصالها إلى جمهوره: جميعنا الآن نعيش صراعات وحالات ارتياب وتأمل مثل هاملت في بلاد تحوّل فيها الموت والقتل إلى وجبة يومية.

«هاملت»: 8:00 مساءً حتى 10 أيار (مايو) ــــ «مسرح الحمراء» (وسط دمشق) ـــ للاستعلام: 00963112222016



فيكتتطّلع عالكاميرا؟

فيما تتواصل عروض «هاملت» في دمشق، ينطلق في بيروت «فيك تتطلع عالكاميرا؟» (7/5 ـــ س:8:30) على خشبة «مسرح دوّار الشمس» (الطيونة). العرض الذي افتُتح في العاصمة الكورية الجنويبة، سيول، الشهر الماضي، يقدّم تجربة فتاة تحاول تسجيل شريط وثائقي عن المعتقلين في السجون السورية. أخرج المسرحية عمر أبو سعدة عن نصّ لمحمد العطار، وأدى بطولتها أيهم الآغا وناندا محمّد.