انتظر المخرج جو بو عيد خمس سنوات كي تبصر باكورته الروائية «تنورة ماكسي» النور بعد بصمته في الكليبات مع كاظم الساهر، ويارا، وصابر الرباعي، وميريام فارس وسواهم. الشريط الذي نزل أخيراً إلى الصالات، يلامس الواقع اللبناني في الحرب من خلال قصّة حبّ بين رجل دين مسيحي وإحدى الجميلات خلال الاجتياح الإسرائيلي (1982). طبعاً، لا يقدم العمل أي قراءة سياسيّة أو اجتماعيّة، بل يرصد قصة واقعيّة أبطالها والداه، وهما رجل الدين المسيحي عامر (شادي التينة) الذي كاد يتفرغ للحياة الدينية، لو لم يدق قلبه للجميلة رندة (جوي كرم).
تعد لغة الصورة أو المشهديّة الجميلة التي يحترفها المخرج، عاملاً مهمّاً في الشريط الذي يبقى البطلان فيه صامتين طوال الأحداث، ثم الموسيقى التصويرية التي وضعها مايك ماسي، وجاءت منسجمة مع الصورة.
يمثّل الشريط حلماً حققه بو عيد الذي يشرح لـ«الأخبار» «ضرورة أن يتناول المخرج أحداثاً يعرفها وعايشها». يقول: «حين بدأت أعي الحياة، عرفت أنّ أبي كان يستعدّ لدخول الدير، وأمي كانت سبب خروجه منه». تختلط الصور في بال المخرج الذي كان يوماً طفلاً يراقب ويرسم صوراً في ذهنه، وقرّر أن يقدّم رؤيته للموضوع. هكذا، يطلّ جو نفسه في الشريط بصورة طفل لا يتجاوز 8 سنوات، يرسم ويلوّن ويقطع الأقمشة كأنه يقدم للمتلقي شيئاً من ذاته، يخرجها من صندوق ذكرياته. ولماذا اعتمد حوارات قليلة بين الشخصيات المساندة، وأبقى البطلين صامتين؟ يجيب بأنّه أراد جعل البطلين «بمثابة أيقونتين؛ لأن لغة الصورة أكثر تعبيراً». وعن اختيار جوي كرم الآتية من تجارب مسرحيّة قليلة وشادي التينة القادم من عالم الأزياء، يوضح أنّ «ملامح جوي معبّرة، وتعابير وجه شادي مريحة وقاسية في آن واحد».
استخدم بو عيد حبكة تتكل على الصورة أولاً وأخيراً، وهذا سيف ذو حدين، جعله بعيداً عن المشاهد العادي. هناك صور متفرّقة أراد المخرج الشاب تقديمها إلى المتلقي، لكنّها كانت تحتاج إلى الترابط المنطقي أحياناً. مثلاً، نجد مشهداً متخيلاً من الولد يحيلنا على التاريخ المسيحي ورجم «الزانية»، ثم يتداخل مع نقمة أهل الضيعة على الجميلة التي ستخرج ابن الكنيسة عن «صراطه المستقيم».
وماذا عن مشاهد الجنس غير المبرّرة أحياناً في الفيلم، وإن كانت بطلتها كارول عبّود التي قدمتها بجرأتها المعروفة ومن دون ابتذال؟ يعلّق المخرج قائلاً بأنّه «في زمن الحرب تتحكم الغريزة بنا، ويكون همّ الناس الحفاظ على حياتهم، وهي إحدى الصور الغريزيّة في الشريط».
هناك قصص أخرى في الشريط، أبطالها جوزيف ساسين، وتمارا أبو جودة، وسهام حداد، وسارة حيدر، ودوري مكرزل. غير أن المخرج وقع في فخ التعقيد مع مشاهد غلب عليها الإيقاع البطيء. مع ذلك، خرج بو عيد عن الكلاسيكيّة وقدم تجربة لا تشبه غيرها، ويسجّل له أنّه ممن كسروا القواعد اللبنانيّة التي تحاصر أهل الفن، وتجبرهم على تقديم شخصيات بلا هوية ولا طائفة. ضرب بهذه النظرية عرض الحائط؛ لأنّ المكان البطل هنا هو الكنيسة. غير أنّ النص هو الحلقة الأضعف، وليس ظلماً القول إن مدة الفيلم (98 د)، هي لقطات مشتتة تعوزها الحبكة القوية والترابط.

«تنورة ماكسي»: «سينما سيتي» (01/899993)، «غالاكسي» (01/544051)، «سوديكو» (01/616707)، «بلانيت طرابلس» (06/442471)