في يوم عاشوراء، حمل محمد بدر كاميراه واتجه جنوباً قاصداً مدينة النبطية (جنوب لبنان) المعروفة بمشهدها الكربلائي الدامي. كانت غاية المصوّر البيروتي كسر الغموض الذي يكتنف ذلك الطقس بالنسبة إليه آنذاك. الا أنّ زخم التجربة ولّد دافعاً لنقلها إلى العاصمة عبر عدسته. وفق استناده إلى قول للإمام علي ابن أبي طالب بأنّ «الناس أعداء ما جهلوا»، جاء تجهيزه الفني The Power Of (أو «القوّة») بوابة بصرية تتيح للمشاهد غير العارف بطقوس عاشوراء أن يصبح «أقرب إلى الحدث» عبر رؤية فنية مختلفة عما يقدمّه الإعلام.
محمد بدر (1981) المتخصص في التسويق والإدارة، يهوى الشعر كما التصوير الفوتوغرافي، ورشِّحت أخيراً مجموعته «الشوارع الدامية ـــ تعبير عن القوّة» لـ «جائزة بيكتيه» (2012) العالمية. على جدران قاعة «غاليري أيام»، وزّع بدر عشر صور فوتوغرافية تفرّدت بجمالية فنية لم تنجُ أحياناً من مسحة صحافية بين لقطات «بورتريه» وأخرى جماعية لأشخاص يمارسون طقوس عاشوراء الجنوبية. صاحب فكرة مشروع «لكم حمراؤكم ولي حمرائي» (2009) أراد للعين أن تجول على لقطات عرس الدم بما يرافقه من أدوات، محمّلاً عمله الفني صفة تثقيفية إذا جاز التعبير. هكذا، توسّطت المكان سيوفٌ وسلاسل معدنية علّقت إلى جانب الصور على مجسمات خشبية. إلا أن تناقضاً برز هنا بسبب حدّة زوايا المجسمات، فكسرت من حميمية الطقس الديني، إذ إنّ الالتفاف (الشكل الدائري أو الحلقة) هو الأنسب للتعبير عن قوّة الجماعة.
مفهوم تلك القوّة تجسّد في جدارين متقابلين كُتبت عليهما مقولات بالعربية والإنكليزية لشخصيات عالمية، وثبّت محور العرض القائم على فكرة «الألم المقدّس» في الشعائر الدينية. استعار بدر مثلاً من شاعر الأردية مرزا أسد الله (غالب)، قوله «عندما يتعدى الألم الحدود يصير هو الدواء». على جدار آخر في قاعة «غاليري أيام»، شاهدنا عرضاً ضوئياً (slide show) لثلاثيات مخطوطة مثل «الدين/ الله/التاريخ» و«الحزن/الخوف/الغضب»، تتوالى بينها لقطات فوتوغرافية لم تحظ بمكان وسط أخواتها المعلقة على الجدران. من ضمن العرض، برزت صورٌ ذات جمالية متفرّدة ظلمها بدر حين اختار عرضها في الظلام بدلاً من طباعتها، منها صورة لشاب يلعق قطرات الدماء السائلة على شفتيه أو صورة لمجموعة من النساء الأكبر سناً. ولعله كان أجمل لو عُرضت إلى جانب صور «الزينبيات» الشابات على جدران القاعة ليكتمل المشهد.
الجزء الأقوى و الأجمل في ...The Power of هو «الرّواق» الذي أقامه المصوّر الشاب بين ستارتين سوداوين يتوسطهما «بورتريه» مكبّر ومضاء من الخلف لشاب حليق الرأس غمرت الدماء وجهه تماماً، فلم يظهر منه سوى عينين حادتين تحدقان بنظرة ثاقبة. لا نبالغ لو قلنا إنّ ذلك «الرّواق» يختزل كل ما رغب بدر في قوله من خلال العمل، إذ يمثّل تجهيزاً فنّياً قوياً ومنفصلاً بحد ذاته. العنصر الوحيد الذي غاب عن العمل هو الصوت، الذي يمثّل جزءاً أساساً من ذلك الحدث الديني العظيم، بما أنّ المعرض هو تجهيز فنيّ لا معرض صور فقط. لذا، كان خطاب المعرض سيكون أقوى لو وظّف بدر تسجيلات صوتية حيّة من موقع الحدث، أو حتى موسيقى مناسبة لا تتعارض مع قدسية الطقوس الدينية، كما قد تفعل موسيقى المعارض التقليدية (lounge music). ثمة صور مميزة أيضاً لم تنل حصّتها من الانتباه، إذ وزّعت حول الستارتين فسقطت في «ظلّهما» كلقطة لعنصر من الدفاع المدني وقد رمى برأسه إلى الخلف ملتقطاً أنفاسه. كانت ستكون ذات وقع أقوى لو أنها جاورت لقطة من العرض تظهر شاباً دامي الرأس متخذاً الوضعية ذاتها في مقاربة لـ «نشوة الألم» على حد تعبير المصوّر الشاب.
في ...The Power of، قدّم محمد بدر طقوس عاشوراء كما رآها وعاشها، طالباً من زائره تلخيص انطباعه في كلمة واحدة تدوّن على بطاقات خاصة رغم صعوبة اختزال الانطباع الحقيقي بكلمة بعد جولة مكثّفة بين ثورة الدّم وقسوة الأدوات الحادة. في المجمل، نجح المعرض في تسجيل تجربة فردية أولى مميزة للمصوّر الشاب، الذي سيصدر عما قريب ديوانه الشعري الأول.

* The Power Of: حتى 18 أيار (مايو) ــ «غاليري أيام» (عين المريسة ـ بيروت) ــ للاستعلام: 70/535301



صلاة النور

شارك محمد بدر في تنظيم مشروع «موزاييك: مسابقة الأشرفية العالمية للتصوير الفوتوغرافي». وفي عام 2011، نال جائزة «عيش الأشرفية» الفخرية، عن مساهمته في المجتمع اللبناني، كذلك اختير من بين الخمسة الأوائل الفائزين في «مسابقة التصوير الفوترغرافي للشباب العرب» التي أقامتها «غاليري أيام» عام 2011 عن مجموعته «صلاة النور».