دمشق | «المكتوبجي» العثماني الذي كان موكلاً برقابة الصحف في حقبة «الرجل المريض»، لم يغادر موقعه إلى اليوم. على الأرجح، فقد أضاف عدسة مكبّرة إلى عدة الشغل، للقبض على عبارة قد تكون تسللت بغتة بين السطور. بصرف النظر عن قوانين الرقابة الصارمة على حريّة التعبير، فإن الصحافي السوري تدرّب جيداً على مواجهة مكائد الرقيب، بأن زرع مخفراً في رأسه، لحراسة الشطط الذي يراوده أحياناً في تجاوز الخطوط الحمر. في الواقع، فإن علبة ألوانه تخلو من بقية الألوان. آهة طويلة، وحسرة مكتومة، سوف يعيشها وهو يقلّب أرشيف الصحافة السورية في الأربعينيات والخمسينيات. عشرات أسماء الصحف تزدحم في واجهات المكتبات. صحف يتجاوز عددها المئة في مختلف المدن، ليستيقظ من أحلام اليقظة، على ثلاث صحف حكومية، تكاد تكون متشابهة في مانشيتاتها بعدما أطاح قانون الطوارئ الصحافة المستقلة.

قانون الإعلام الجديد لم يلحظه أحد رغم التصريحات الرسمية التي تهلّل لبزوغ صحافة جديدة ومنفتحة، بقيت حبراً على ورق، فيما لم يجد «المجلس الوطني للإعلام» مقرّاً له إلى اليوم. وينبغي ألا نسأل عمّا يفعله اتحاد الصحافيين ورئيسه المزمن الذي أتى بلاط صاحبة الجلالة من كواليس مجلة «المناضل» التي تصدرها القيادة القطرية لحزب «البعث». أول تجليات عبارة «حريّة التعبير» سنجدها خلال البحث على غوغل عن واقع الصحافة السورية. سيفاجئك بأنّ المواقع التي سوّلت لنفسها توثيق تجاوزات الرقابة السورية على الصحف والصحافيين، هي مواقع محجوبة. يوم الصحافة العالمي إذاً، لم يمرّ بعاصمة الأمويين، وما وثّقته منظمة «مراسلون بلا حدود» في مؤشرها السنوي لحرية الصحافة، يخصّ متصفّحاً آخر، غير السوريين. لكن عملية بسيطة اخترعها المتصفّح السوري تحت اسم «كسر البروكسي» تتيح دخول الغرفة المحرّمة. هكذا بلغت الصحافة السورية الرقم القياسي في تجاوزاتها لحرية التعبير، لتقفز في التصنيف خلال السنتين الماضيتين من الرقم 139 في ترتيبها إلى الرقم 176، في إنجاز لم تحققه سوى السودان واليمن اللتين تنافسان سوريا بشراسة على هذا الترتيب في قمع الصحافيين وتقلّص مساحة حرية الصحافة. ولا تزال عمليات الاحتجاز التعسفي مستمرة تماماً، إضافة إلى التعذيب وفقاً لتقرير المنظمة.
قضية المدوّنة طل الملوحي التي أدانتها محكمة هزلية بعقوبة السجن لمدة خمس سنوات تراجعت إلى الخلف باعتقال عشرات المدوّنين والصحافيين. وكان الصحافي والباحث سلامة كيلة، آخر ضحايا حرية التعبير في القائمة الطويلة والمخزية. المفارقة أنّ الإعلام السوري رأى أنّ العقوبات الأميركية على «الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون» في سوريا «تناقض سافر مع حريّة التعبير»!