دمشق | جردة سريعة على الأحداث التي مرت منذ عام حتى اليوم، تكفي للخروج بصورة قاتمة تعبّر عن المشهد الصحافي وما يعانيه من ظلم واستبداد في سوريا. أما عند التوجه إلى لغة الأرقام والإحصائيات وتقارير المنظمات الدولية المعنية بالأمر، فإن المشهد سيزداد قتامةً لأن سوريا تفوقت على الكثير من الدول التي كانت تتقدم عليها من حيث قمع الحريات. لم يتبق أمامها سوى خمس دول في العالم تتأخر عنها بممارسات رجعية تهدف إلى قمع الحريات. منذ انطلاق الاحتجاجات في سوريا، ازداد القمع في المشهد الإعلامي وطالت النيران المندلعة من كل الجهات الإعلاميين والصحافيين. قرّر النظام عن سابق إصرار وتصميم كمّ الأفواه وتقييد حرية الصحافة، وراح يلاحق الإعلاميين ويضيّق عليهم ثم يعتقل بعضهم. هكذا، احتفلت عواصم العالم بيوم حريّة الصحافة من دون أن تدخل هذه المناسبة إحدى بوابات عاصمة الأمويين السبع. ويظل وصف حال مهنة «صاحبة الجلالة» هنا بحاجة إلى مفردات جديدة تجيد التعبير أكثر من لغة البارود.
بات الصحافي اليوم يجد نفسه محاطاً بخطط عمل حكومية وهمية تدّعي أنّها تضمن إعلاماً محترفاً. صحيح أنّ قانون الإعلام الجديد الذي صدر منذ أشهر يكفل حرية الصحافي واستقلاليته، وقد وصفه مراقبون بأنّه قانون عصري يعتبر خطوة جديدة في تاريخ سوريا التي تسير على درب الإصلاح، إلا أنّ النتيجة كانت سقوطاً مدوياً عند أول اختبار حقيقي، إذ انقضّت الجهات المعنية على منافذ بيع الصحف لتصادر نسخ جريدة «بلدنا» اليومية (على الرغم من أنها مملوكة لرجل أعمال مقرّب من النظام) بحجّة أنها تحوي مقالاً يسيء إلى حزب «البعث» والبعثيين...
وفي سياق مشابه، أُنشئ المجلس الوطني للإعلام كي يكون المسؤول عن سير العملية الإعلامية بالمجمل، والنتيجة أنّه مرت شهور ولم يبدأ المجلس مزاولة عمله ولا يعرف أعضاؤه جدوى مجلسهم أصلاً، رغم أنّ الأزمة تخوّله مزاولة عمله بطريقة استثنائية تضمن له فعالية مضاعفة. وبين هذا وذاك، كان الأمن يطارد صحافيين وإعلاميين في كل مكان، ومنهم من واجه الاعتقال من أمثال: ثائر زعزوع، وعتاب اللباد، وعامر مطر، ويارا بدر، بينما لا يزال رئيس «المركز السوري للإعلام وحرية التعبير» مازن درويش رهن الاعتقال (بتهمة التعامل مع منظمات أوروبية وتلقّي تمويل منها من دون رخصة)، إضافة إلى السيناريست والصحافي الشاب عدنان الزراعي، والصحافي مهند عمر.
إلى جانب ذلك، فقد سقط على أرض سوريا مجموعة من الصحافيين والمصورين الأجانب، منهم الصحافي الفرنسي جيل جاكييه، والصحافية الأميركية ماري كولفن، والصحافي الفرنسي ريمي أوشليك، كما تعرّض آخرون لإصابات بالغة، إضافة إلى اختطاف الصحافي التركي آدم أوزكوسا والمصور حميد جوشكون لتتحول أسماء كل هؤلاء إلى أخبار عاجلة تمر على أشرطة أخبار الفضائيات المتناحرة، بعضها يتهم النظام بعملية الاختطاف، والبعض الآخر يتهم العصابات المسلحة. إلا أن الجميع يتفق على أنهم صحافيون غادروا الحياة أو فقدوا وهم على أرض سوريا...
وسط كل ذلك، كان العام الماضي هو الأسوأ فعلياً على الصحافة التي صارت تخشى التقاط صورة لمشهد عابر في شوارع دمشق. أما اتحاد الصحافيين السوريين فوقف موقف المتفرج على كل الخروقات التي ينتهجها النظام بحقّ الصحافة وأهلها، بل أسهم الاتحاد في بعض الأماكن في موقف سلبي، في حين أنشأت المعارضة «رابطة الصحافيين السوريين الأحرار» التي ضمت أسماءً وشخصيات كانت سابقاً من ذيول النظام وصاحبة نشاط واسع في المؤسسات الحكومية. طبعاً، يقتصر نشاط الرابطة حتى الآن على بيانات رنانة لا تسمن ولا تغني من جوع. لكنّ الرابطة لم تصدر حتى بياناً حيال اعتقال السلطات للكاتب المعارض سلامة كيلة ذي الصوت المعتدل الذي يرفض بالمطلق أي تدخل خارجي في سوريا، تماماً كما يرفض الاستبداد. لم يسلم كيلة من بطش النظام، وها هو يدفع ثمن اعتداله ليالي قاسية في سجون إطاحة الحريات.