استحق ربيع جابر (1972) جائزة «بوكر» العربية بجدارة، بل إن الجائزة أخطأتْهُ قبل عامين في دورتها الثالثة، حين تجاهلت روايته «أميركا» التي تتفوق على «دروز بلغراد» في إدهاشها للقارئ. لكنّهما مكتوبتان ـــ مثل رواياته الأخرى ــــ بالأسلوب نفسه الذي يمتزج فيه التاريخ الحقيقي بالتاريخ المتخيل. التاريخ هو لعبة ربيع جابر المفضلة التي يبرع في توظيفها داخل رواياتٍ مشوّقة، تخطف أنفاس القارئ، بمجرد أن يبدأ بقراءة صفحاتها الأولى. لم يحضر التاريخ في كل أعماله. لكن حتى في رواياتٍ مثل «البيت الأخير» و«رالف رزق الله في المرآة»، استثمر الروائي اللبناني شذراتٍ حقيقية من سيرتَي المخرج الراحل مارون بغدادي، والكاتب المنتحر رالف رزق الله. الافتتان بالتاريخ تحوّل إلى «فن» شخصي، وإلى حساسية روائية كاملة. لم يغرق جابر في التاريخ. لم يكتب رواية تاريخية تقليدية، بل جعل التاريخ مساحة مرنة وجذابة يمكن تجويفها وتعديلها لتليق بإقامة شخصياته. هكذا، أنجز رواياتٍ عن الحرب الأهلية كما في «الاعترافات» و«طيور الهوليداي إن»، ورواياتٍ تحتفي بالتاريخ القريب والمعاصر لبيروت كما في ثلاثيته «بيروت مدينة العالم»، و«تقرير ميليس» و«الفراشة الزرقاء». التاريخ هنا أقرب إلى المعرفة الموسوعية التي تترجم شغف المؤلّف بالتراكم البطيء الذي تصنعه الأزمنة والأمكنة، حيث «التاريخ هو حكاياته، والماضي فضاء زمني شاسع ينشد فيه الإنسان متعة الحكايات»، بحسب ما كتب الناقد فيصل دراج. وهو ما أكدّه بيان الجائزة عن «قدرته على تصوير هشاشة الوضع الإنساني من خلال إعادة خلق فترة تاريخية بلغة عالية الحساسية». منذ بداياته، عثر ربيع جابر على جملة قصيرة ورشيقة تكفل انسياب السرد، وتحميه من الترهل والإضجار أيضاً. جملة ذكية وناضجة توّجت باكورته «سيّد العتمة» بجائزة مجلة «الناقد» حين كان في العشرين من عمره فقط. بلغة الأرقام، يمكن أن يكون ربيع جابر صاحب الرقم القياسي العربي في عدد الروايات التي أصدرها خلال فترة زمنية محدّدة: 18 رواية في 20 سنة. كتب صاحب «يوسف الإنكليزي» أعماله في العتمة تقريباً. أحاط نفسه بالسرية والصمت. أبعد حياته الشخصية وكتابته عن مجتمعات الثقافة ونمائمها وأضوائها. تأليف الكتب، بحسب تعبير أحد أبطاله، أشبه ببناء الأهرامات. الغزارة والانطوائية المحبّبة جعلتاه أقرب إلى بعض الكتّاب الأجانب الذين حوّلوا سِيَرهم الشخصية إلى نوع من الأسطورة. في ثقافتنا العربية، يجب أن يحضر الكاتب مع كتابه كي يحظى باعترافٍ كامل، بينما غيابه الجسدي يسهّل عدم الاهتمام بأعماله. لعل من طرائف حصول جابر على الجائزة، أنّه اضطر إلى حضور حفل الإعلان عنها شخصياً.