سقطت موضوعية قناة «الجزيرة» عندما قرّرت تجاهل ما يجري في البحرين منذ انتفاضة «14 فبراير» العام الماضي. صحيح أنّها لم تأخذ جهة السلطة بنحو واضح في الأزمة، لكنّ «حيادها» وتجاهلها لممارسات الشرطة والأمن كانا كفيلين في جعلها شريكة في مؤامرة حصار هذا الشعب الأعزل. لم تكن «حيادية» بين الجلاّد والضحية فحسب، بل تجاهلت المحطة الكثير من المواد التي أرسلها إليها ناشطون ومعارضون بحرينيون رغم تأكيد هؤلاء العلاقة «الراقية» التي تجمعهم بمراسلي المحطة القطرية وموظفيها.
تقول مصادر لـ«الأخبار» إنّ صحافياً بحرينياً كان يزوّد مكتب «الجزيرة» في الدوحة يومياً بالأخبار والفيديوات عن القمع الحاصل وتظاهرات دوار اللؤلؤة، لكنّها كانت تقابل جميعها بتجاهل تام من المنتجين ورؤساء التحرير. في المقابل، فتحت المحطة هواءها لتقرير «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق» في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، علماً أنّ المعارضة البحرينية رفضت التقرير واتهمته بأنّه «أخفى حقائق وممارسات كثيرة».
وهنا لا بدّ من التمييز بين تغطية «الجزيرة» العربية وتلك الإنكليزية التي جال مراسلوها في شوارع البحرين وعاينوا الأحداث ورافقوا الانتفاضة وأهم فصولها على الأرض، وشهدوا على أعمال العنف ووثّقوها، وكانوا خير شاهد على آلام «تصرخ في الظلام». مع ذلك، فقد أثار شريط وثائقي عرضته القناة الإنكليزية بعنوان «البحرين... صراخ في الظلام» أزمة بين قطر والبحرين.
وبعيداً عن أسباب هذا التمايز في التغطية، ما الذي دفع «الجزيرة» العربية إلى إحراج نفسها بعد تغطيتها المكثّفة وحضورها الواضح في الانتفاضتين التونسية والمصرية؟ في بداية الانتفاضة البحرينية، كان خوف قطر ومن ورائها الدول الخليجية عدم امتداد الربيع العربي إلى ربوعها؛ لأن أي اهتزاز للعرش الملكي في البحرين سيرتدّ على بقية العروش. ولهذا جاء الفيتو الخليجي ـــ لا القطري فقط ـــ على تغطية «الجزيرة» لأحداث البحرين وباقي القنوات الخليجية.
اليوم تبدّل الوضع. فلماذا يستمر هذا الصمت؟ (مع أنّ مسيرة التاسع من آذار الضخمة أجبرتها على تغطية الحدث). تعيش الانتفاضة في الوقت الراهن حالة جمود سياسي رغم التظاهرات التي تستمرّ يومياً مهما اشتدّ الخناق. مطلب إسقاط النظام بات شعاراً ترفعه الحركة الشبابية، وتحديداً «ائتلاف شباب 14 فبراير» تعبيراً عن الغضب، أكثر منه مطلباً تتبناه القوى المعارضة المرخصة. بل على العكس، فإنّ هذه الأخيرة تبرّأت منه ورفضته مع اشتداد الحملة الأمنية بعد دخول قوات «درع الجزيرة» الخليجية إلى المملكة الصغيرة. السلطة البحرينية لا تغفل مناسبة دولية أو إقليمية من دون أن تُروّج لنفسها على أنّها دولة ديموقراطية تستجيب لمطالب شعبها، بينما تضرب بيد من حديد المسيرات السلمية. روايات متضاربة حول مشروع حوار وطني يلقى ترحيباً من المعارضة، فيما تحاول جهات موالية للحكم عرقلته. وهناك وساطات خليجية ودولية آخرها سعودية «غير مؤكّدة» تدلّ على رغبة خليجية في تغيير الوضع القائم. لكن كل هذه التطوّرات غابت عنها المحطة القطرية ولم تولها التغطية التي تستحقّها، هذا إن سلّمنا بأنّ الإعلام العربي ككل يتحرّك وفق مصالح سياسية، ويخدم الأنظمة، وليس كما يدّعي أنّه يتحرّك وفق تطلعات الشعوب. هذا ما يقوله طاهر الموسوي المسؤول في الأمانة العامة لجمعية «الوفاق» المعارضة لـ«الأخبار».
ويؤكّد الموسوي أنّ تعاطي الإعلام العربي مع الثورة كان مخجلاً، فقد تعامل معها بازدواجية، ما يدلّ على أنّه «مسيّر من قبل المصالح ورؤوس الأموال والنفط الخليجية». ويشير الى أنّ الإعلام كان شريكاً في تضييع حقوق الشعوب كما جرى في البحرين وسوريا، إذ أسهم في تأجيج الوضع حتى دخلت البلاد في اقتتال داخلي.
ويأسف لتغطية «الجزيرة» لأحداث البحرين، واصفاً إياه بأنّه «كان معيباً جداً، فالدم الخليجي يسيل على الأرض، وهي تتجاهله. كأن شعب البحرين ليس من حقه أن يعيش أو أن يطالب بالديموقراطية». ويشير هنا إلى أنّ الإعلام يحتاج إلى ربيع عربي، شأنه في ذلك شأن الأنظمة العربية «فبعض العلاقات السياسية تحكمت بنحو غير أخلاقي في الإعلام».