كان الكاتب الكوميدي الخمسيني يوسف معاطي (1963) هو الأصغر سناً بين «المثقفين» الذين حضروا أخيراً لقاء الرئيس المصري (الأخبار 23/3/2016 ــ أكبرهم كان السيد ياسين من مواليد 1919). وقد وُضعت كلمة المثقفين في العبارة السابقة بين قوسين لأن أحداً لم يتهم يوسف معاطي بالثقافة من قبل. هو كاتب كوميدي صار لغزاً لإصرار الفنان عادل إمام على اختياره كاتباً لأعماله الفنية في سنواته الأخيرة، من دون أن يترك عمل واحد منها أثراً فنياً مهماً (كما فعلت أفلام إمام مع وحيد حامد) أو حتى كوميديا حقيقية تضحك من القلب (كـ «مدرسة المشاغبين» أو «شاهد مشافش حاجة»). هي فقط أعمال نصف كوميدية كـ «مرجان أحمد مرجان» أو «التجربة الدنماركية» أو باهتة تماماً كـ «بوبوس» في السينما أو «بودي جارد في المسرح». غير أن ذلك لم يفت من عضد «الزعيم» ليستعين به مجدداً في «مأمون وشركاه» لرمضان المقبل. كما لم يمنع «الرئيس» من استضافته وسط المثقفين في اللقاء. لم يقل شيئاً ولم يكن منتظراً منه أن يقول، فحتى مثقفون حقيقيون، كمحمد المخزنجي وصلاح عيسى، لم يتسن لهم الوقت ولا الفرصة لقول إي شيء خلال اللقاء، فكتبوا فيما بعد في الصحف ما لم يستطيعوا قوله في اللقاء.
قال للمثقفين إنّهم يميلون إلى التنظير!
هذا الغموض في اختيار معاطي، وصناعة تلك «التشكيلة» من المثقفين التي لم يكن لها سياق محدد، ولا جدول للحديث (ما أدى إلى صمت الغالبية)، وتركيز الأقلية ـ المفهوم- على قضايا «السجون» التي أنتجت - بمجهود خالص من الروائي إبراهيم عبد المجيد- الإفراج عن أحد أكثر المعتقلين تعرضاً للظلم (عرف إعلامياً باسم طفل الـ «تيشيرت»)، من دون أن تؤثر في الأقرب ارتباطاً بـ «الثقافة» أي سجن الروائي أحمد ناجي والباحث إسلام بحيري (اكتفى الرئيس بالقول إنّ الأفضل تعديل القانون، علماً بأنّ ناجي وبحيري قد سجنا بقانونين مختلفين، «خدش الحياء» و«ازدراء الأديان»، والرئيس أصدر وحده أكثر من 300 قانون بلا برلمان)... كل هذا عكس أداء الارتجال في حال افترضنا حسن النية. وإن لم نفترض، فهي إرادة شاءت خلق «صورة صحافية» للرئيس مع «المثقفين». صورة لم يصبر صانعوها حتى انتهاء التقاطها، فأخذت صفحة الرئيس الرسمية على فايسبوك، تبث مقتطفات من اللقاء الذي لم يكن قد انتهى بعد. مقتطفات كانت كلها للرئيس وحده.
وإن كان أحد أغرب ما قاله الرئيس للمثقفين هو وصفه لهم بأنهم «يميلون للتنظير»، ما يشبه اتهام مهندسين بأنهم يميلون للبناء، أو أطباء بأنهم يميلون للعلاج، فإن المفارقة الأهم أنّ الرسالة التي أصر الرئيس على التأكيد عليها ـ في مواجهة الانتقادات الحقوقية- هي مدى «صعوبة التوازن بين الضرورات الأمنية، والمطالبات الحقوقية». ترى أين قال الرئيس قبل أسابيع العبارة نفسها؟ كان ذلك في عيد الشرطة، أمام حشد هائل من الجنرالات. ليس بالضرورة أن يعني ذلك أن الدولة لا تفرق بين الشرطيّ والمثقف، فتوجه لهما الخطاب نفسه. ربما، لا تملك الدولة خطاباً أكثر تعقيداً من ذلك، إذ أنها – تماماً كما تريد من المثقفين «لا تميل إلى التنظير».