ريم بنّا الليلة في بيروت. ثمة قاسم مشترك بين الفنانين الفلسطينيين لدى ملاقاتهم هذه المدينة. جميع من أتوا لم ينجحوا في التعبير عن هذا اللقاء. ويجمع بينهم دائماً الارتباك البريء وتلك العبارة: «يعني... بعرفش شو بدّي أحكي». يشعرون أنّه بات لوجههم ملامح أخرى، ولفنّهم طعمٌ آخر. لبيروت القريبة البعيدة حصة كبيرة في قلوبهم. هي التي حمتهُم وسلّمتهم.
إنها الزيارة الثانية لريم إلى بيروت. عوارض اللقاء هذه المرة أخف بقليل. لكنها موجودة. في موقعها على فايسبوك، نرى كيف وصفت مجريات الرحلة، والمشاعر عند كلّ محطة فصلتها عن بيروت. من هنا يأتي عنوان أمسيتها الوحيدة في قصر الأونيسكو، بدعوة من «نادي لكل الناس»: «من فلسطين إلى بيروت».
تعود انطلاقة ريم بنّا إلى الثمانينيات، غير أن ألبوم «مرايا الروح» (2005) مثّل أهمّ محطة في مسيرتها. تلاه وسبقه أكثر من عمل، لكن أمسيتها ستتمحور حوله. إذا استثنينا مساهمتها الكبيرة في مجال أغنيات الأطفال، يمثّل «مرايا الروح» ذروة تجربتها، لناحية النضال في سبيل القضية الفلسطينية، وحفظ التراث ونشره بلغة عصرية، وتقديم ألحان (تحمل توقيعها أو بالاشتراك مع زوجها ليونيد ألكسيينكو) ونصوص جديدة (معظمها لوالدتها الشاعرة زهيرة صبّاغ).
صوت ريم مهذّب، نبرته حنونة/ هجومية، هويته شرقية شعبية، وكذلك غربية لا تستعير الكثير من البوب/ روك البريطاني أو الأميركي الرائج، بل من الروك الأوروبي الشمالي الغربي البديل. لنسمِّه الصوت الفلسطينيّ المتأثر بشتاته. لا يحتاج المرء إلى أكثر من أغنية كي ينطبع صوتها في ذاكرته. لحنها الخاص غربي حديث عموماً (بوب/روك، حماسي، تطوّري أو حالم)، علماً بأنّها ترمي أحياناً، بشكل مقصود وليس من باب التلوين، نغمة شرقية في قلب هذا اللحن أو ذاك (مثلاً، عند كلمة «يشتعل» في أغنية «مرايا الروح»). هذا عندما تلحّن النصوص الشعرية الحديثة، وهنا، للمناسبة، لا توفّق دائماً.
أما عندما تتناول نصاً تراثياً، يبقى الإعداد غربياً عموماً، لكن اللحن يأتي من ذاكرة مشبَعة بالأنغام الشعبية («مالك»، «ستي العرجا»،...). وهذه الأغنيات ستكون بالتأكيد جزءاً من يوميات في فلسطين عندما «نرجع يوماً»، إلى جانب تلك التراثية نصاً ولحناً التي أحيتها في «مرايا الروح» وغيره (مثل «مشعل»). في كل هذه الخلطة، تخرج علينا أغنيات استثنائية بكل عناصرها، مثل «سارة»، وهي تهويدة مهمتها إقلاق ضمير العالم الغارق في نومٍ وقِح.
أما بالنسبة إلى الحفلة، فيمكن توقّع جودتها مسبقاً. حماسة ريم في أوجها، وتركيبة الفرقة مناسبة للنمط الموسيقي العام المعتمد من المغنية الفلسطينية، إضافة إلى كون أعضاء الفرقة من الأبرع في مجالهم محلياً، وهم رائد الخازن (غيتار)، جان مدني (باص) وفؤاد عفرا (درامز).