القاهرة | كالعادة، فشل التلفزيون الحكومي المصري ومعه معظم القنوات الخاصة في الاختبار. جاءت تغطية وفاة البابا شنودة الثالث دون الحدث الجلل. عندما توفي بابا الأقباط كيرلس السادس في العام 1971، لم تكن في مصر سوى القناة الأرضية الأولى، والأرضية الثانية. بالتالي، لا يمكن تقييم التغطية الإعلامية في تلك الفترة التي كان التلفزيون يعمل خلالها بضع ساعات في النهار.
لكن عندما تتوافر في مصر عشرات الفضائيات عند وفاة البابا شنودة الثالث وتأتي التغطية كما شاهدنا مساء أول من أمس السبت، فهذا يدلّ بكل تأكيد على قصور حاد في بنية الإعلام المصري. هذا الأخير يعاني تراجعاً ملحوظاً في قدرته على تغطية الأخبار العاجلة، ولا يؤدي واجبه إلا لو عرف الخبر قبل حدوثه بفترة كافية.
هكذا لم تهتم القنوات الحكومية المصرية الرئيسية بالخبر كما ينبغي. وأسهم في ذلك عدم إعلان الحداد رسمياً، ليتم التعامل مع وفاة أكبر رمز للديانة المسيحية في مصر والشرق باعتباره خبر وفاة أحد المشاهير. وبينما كانت القنوات الإخبارية المصرية والعربية تضع الخبر العاجل بشكل مستمر على شاشاتها، كانت برامج رياضية وحوارية مستمرة كما هي على شاشة الفضائية المصرية، والأولى والثانية الفضائية بينما تصدّر الخبر نشرات «النيل للأخبار» لكن من دون تغطية مميزة أو لافتة.
بالتالي، انتظر المصريون انطلاق برامج الـ«توك شو» المسائية بعدما أعلن خبر وفاة البابا في حدود الساعة السابعة مساءً (حدثت الوفاة عند الساعة 5:45)، وبدأت تلك البرامج عند الثامنة مساء، أي في موعدها الطبيعي. لم ينتبه أحد من القائمين على الإعلام في المحروسة إلى أنّ وفاة البابا شنودة ليست حدثاً دينياً فحسب، بل إنّ أبعادها السياسية أكبر بكثير من ذلك. الرجل رحل بينما مصر لا تزال من دون رئيس، ومعظم المصريين لا يعرفون أصلاً كيف يتم اختيار خليفة للبابا. وهو ما حاولت برامج عدة أبرزها «القاهرة اليوم» لعمرو أديب شرحه من خلال الضيوف المسيحيين. هؤلاء جاؤوا إلى البلاتوهات مرتدين الملابس السوداء، بينما لم تنتبه مذيعات كل البرامج الحكومية والخاصة إلى أهمية ارتداء تلك الملابس حتى لو كنّ قد وصلن إلى البلاتوه قبل إعلان الخبر الحزين. واسترجعت الاعلامية منى الشاذلي في برنامجها «العاشرة مساء» على قناة «دريم 2» الأزمة الشهيرة بين البابا شنودة والرئيس الراحل أنور السادات الذي عزل البابا بسبب موقفه من اتفاقية كامب دايفيد إلى أن جاء محمد حسني مبارك رئيساً لمصر وأعاده إلى الكرسي البابوي من جديد. وفيما انفردت قناة «التحرير» بلقب جديد للبابا هو «بابا العرب»، كانت محطة «أون. تي. في» الأكثر قدرة على متابعة الحدث داخل الكنيسة. أما باقي المحطات فقد واكبت الحدث من خلال الحوارات والاتصالات الهاتفية. وللمرة الأولى، توجّهت أنظار الجمهور إلى القنوات القبطية التي لا يتابعها إلا بعض المسيحيين لمعرفة التفاصيل، مثل قنوات «مار مرقس»، و«أغابي»، و«سي. تي. في».
وكما فعل خلال أيام الثورة المصرية، نجح الإعلامي عمرو الليثي في الحصول على تصريح هاتفي من الفنانة فاتن حمامة التي نعت البابا شنودة ووصفته بالإنسان العظيم الذي اعتمد سياسة التهدئة خلال الأزمات الكبرى. بينما نعى عادل إمام البابا الراحل خصوصاً أنه ارتبط معه بصداقة وطيدة. وكان قد استشاره قبل تقديم فيلم «حسن ومرقص» الشهير. ونقلت القنوات ومواقع الأخبار تصريحات متطابقة من عدد كبير من الفنانين من بينهم عمرو دياب، وشيرين عبد الوهاب، ولوسي، وهالة فاخر، وأيمن بهجت قمر، وهالة صدقي وآثار الحكيم.
الصدى كان مختلفاً على موقعي فايسبوك وتويتر. هنا، زالت كل التحفظات التي تحكم القنوات الفضائية. رحيل البابا أحدث جدلاً بين النشطاء ومن بينهم بعض المسيحيين الذين رفضوا المبالغة في تقديس البطريرك الراحل بسبب مواقفه السياسية المهادنة والموالية لنظام مبارك وحكم العسكر، وكان آخرها دعوة ممثلين للمجلس العسكري إلى حضور قداس عيد الميلاد رغم مرور أسابيع قليلة على مذبحة الأقباط أمام ماسبيرو. فيما لم تترك بعض الصفحات الدينية المتشددة الحدث يفوت من دون تذكير المسلمين بحرمانية الحزن على أتباع الديانات الأخرى أياً كانت مكانتهم لدى الشعب. لكنّ محاولة الاصطياد في الماء العكر تصدّى لها ناشطون اتّهموا المسؤولين عن تلك الصفحات الظلامية بإثارة الفتن الطائفية والخلافات في مناسبة لا تحتمل تلك الخلافات العقائدية.