طوال خمس سنوات قضتها في إيران، كانت ندى الأزهري على اتصال يوميّ مع السينمائيين في بلاد الملالي. حاورت مخرجين وممثلين وحضرت عشرات الأفلام ولامستْ واقع الفنّ السابع على الأرض، لتخرج بكتابها «السينما الإيرانية الراهنة» (دار المدى). «المكتبة السينمائية العربية بحاجة إلى مثل هذا الكتاب»، هذا ما يريد الناقد والصحافي إبراهيم العريس في مقدمته للكتاب، وخصوصاً أنّ صاحبته عايشتْ عالم السينما هناك أثناء تأليفه، فيما لا يزال متابعو السينما الإيرانية يكتبون عنها «عن بعد». استغلت الكاتبة انتقال زوجها الدبلوماسي الفرنسي للعمل في سفارة بلاده في طهران، لتنجز عملها. هكذا، التقت عباس كياروستامي، وأصغر فرهادي، وجعفر بناهي وحاورتهم. وسلّطت الضوء على الكثير من الأسماء السينمائية، والتفاصيل المهمّة التي لن يعرفها كثيرون إلا بعد قراءتهم الكتاب. تقسّم الصحافية في جريدة «الحياة» عملها إلى سبعة فصول. من الفصل الأول حتى الخامس، تحاور عدداً من المخرجين، مع قراءة لبعض أعمالهم.
تُخصِّص الفصل الأول للمخرجَيْن الكبيرين: عباس كياروستامي وأمير نادري. بينما نقع في الفصل الثاني على حوارات مع عددٍ من السينمائيات الإيرانيات، وقراءات في تجاربهنّ أمثال رخشان بني اعتماد، ونيكي كريمي، ومانيا أكبري. في الفصل الثالث، تحاور جعفر بناهي وأبو الفضل الخليلي الممنوعين من عرض أفلامهما في إيران. بينما تخصّص الفصل الرابع لحوارَيْن مع المخرجَيْن الشابّين: أصغر فرهادي، ورفيع بيتز. أما الفصل الخامس، فنستطيع من خلاله أن نطّلع على جانب من آراء نقاد السينما في إيران، حين نقرأ حوارَيْن مع كلّ من فريدون جيراني وأميد روحاني.
بعد هذه الحوارات، تتفرّغ الكاتبة لتدوين قراءاتها ودراساتها في السينما الإيرانية. في الفصل السادس، تحلّل وتعيد قراءة ثلاثة أفلام مهمّة في المشهد الإيرانيّ الداخليّ. الفيلم الأول «المطرودون» (إخراج مسعود دهْ نمكي)، تعدّه نموذجاً لأفلام «الدفاع المقدس» التي برزت مع بداية الحرب العراقية ـــــ الإيرانية. الفيلم الثاني الذي أحدث عرضُه صخباً بعد منع دام سنتين، هو «كتاب قانون» للمخرج مَزيار ميري. يصوّر هذا الفيلم «سلوكيات أسرة تقليدية إيرانية متديّنة»، ويقدّم لنا «صورة ساخرة لطريقة المجتمع في فهم الدين وتطبيق تعاليمه». أما الشريط الثالث فهو «باسيج» للمخرج مهران تمدن. بدءاً من عنوانه (تعني الكلمة حُماة الثورة الإسلامية)، تجاوز العمل الخطوط الحمر، فلم يمرّ من دون ضجيج وغضب حكومي.
في الفصل الأخير، توسّع ندى الأزهري العدسة التي تنظر من خلالها إلى السينما الإيرانية. تعود إلى البدايات في أوائل القرن العشرين. تبحث في تأثير الفنّ السابع وتأثّره بالمتغيّرات الاجتماعية والسياسية. بعد ذلك، تشاركنا ملاحظاتها وتدويناتها عن «مهرجان فجر السينمائي» (ذي الشعبية الواسعة داخل إيران وخارجها) في أربعة مواسم (2007 ـــــ 2010). أخيراً، لا تنسى الكاتبة أن تعرّج على أكثر شيء يؤثر في الإبداع في إيران: الرقابة. غدت الرقابة على السينما أشهر من السينمائيين أنفسهم. يكفي أن نقرأ تجربة المخرجَيْن جعفر بناهي، ورضا ساركانيان، لنعرف
ذلك.