«دنس، موت صغير، حركة أولى» عنوان عرض علي شحرور (1989) من إخراجه، وتشاركه في الكوريغرافيا والأداء الراقصة الفرنسية إميلي توماس منصور. في «مقامات بيت الرقص»، تدخل غرفة العروض، فتجد النايلون يتدلى من السقف من الجهات الأربع، خالقاً مكعباً بلاستيكياً يحدد مساحة العرض داخله، ويفصل بحيطه الرابع الراقصين عن الجمهور. داخل المكعب، وإلى اليمين، تجد توماس وشحرور واقفين، عاريين إلا من ثياب داخلية سوداء. «الدنس» الراقص أتى محموماً بجسمانية وشهوانية عالية. رؤيا كوريغرافية تلعب على العنف، لكن هذا التفصيل الزائد جاء ليلجم الرؤيا الكوريغرافية التي لم تذهب إلى نهاياتها.«موت صغير» عبارة تناهت إلى الراقصين والجمهور عبر تسجيل آتٍ لصوت امرأة تندب موت ابنها. ثم يتمايلان خفافاً إلى أن تبدأ الحركة الأولى. «إيقاع لطم الصدور وولولات أخواتي فوق جثماني، أصبحت تشعل رغبتي في الرقص». يرقص الجسدان على ندبيات العزاء، ثم على الصمت حتى نهاية العرض. يتلاطمان، ويتّكئان على بعضهما بعضاً، إلى أن يتحول التلامس بين الجسدين إلى حركة عنيفة. يبدآن بضرب بعضهما بعضاً، ضرب يخيل لنا بأنه جزءٌ من خدعة كوريغرافية، لكنه شيئاً فشيئاً يزداد عنفاً. هو يشدّها من شعرها، وهي تصفعه إلى أن يقع شحرور، ويضم جسده بشكل جنين، وخلفه إميلي واقفة ترفسه بشكل متواصل...
«الجسد الملقى فوقي بإفرازاته، ببرودته، بقرفه، يحاول إغوائي وإثارة شهوتي. أجسادنا ملتصقة في وضعيات حميمية مناسبة، أصبحنا نعيش في نشوة مستدامة». إنه المشهد الأعنف في العرض، لكنه الأقوى في كل ما يقترحه. وكل ما أتى بعده لم يكن إلا تلويناً ضعيفاً للطرح الأساسي الذي لم يكتمل بسبب خيار خطفه والانتقال إلى مشاهد أخرى، لم تضف شيئاً. «تنهدات أبي وأصوات كتمه للبكاء، تشعرني بأنه يمارس العادة السرية أمام صورتي الصفراء».
من الواضح أنّ لعلي شحرور طرحاً جريئاً وأسلوباً خاصاً بدأ يتبلور في عرضه الثاني هذا بعد «على الشفاه ثلج» العام الماضي، لكننا نتوقف عند خيار المخرج الشاب باللعب على مواضيع حساسة ودقيقة مثل الرقص على أناشيد دينية، واللجوء إلى العنف الجسدي والنفسي في الكوريغرافيا، والاعتماد على سينوغرافيا بسيطة تقدم جسد الراقص عارياً مفضوحاً. ورغم أهميتها، تبقى الطروحات الفنية والفكرية في العمل غير متبلورة، تكاد تُفرغ من معناها.
هل يعود ذلك إلى حاجة التفريغ التي تتسم بها أعمال الفنانين الأولى؟ أم أن الاندفاع لتقديم عرض جديد في فترة سريعة نسبياً، أدّى دوراً سلبياً في منع المخرج الشاب من اتخاذ المسافة الكافية من عمله؟




DANAS - Mawt Saghir, First Movement: 8:30 مساء الجمعة والسبت 16 و17 آذار (مارس) ـــ «مقامات بيت الرقص» (الحمرا ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/343834