تونس | يبقى «التياترو» في تونس من بين الفضاءات القليلة البديلة التي تقترح عروضاً مستقلّة وشابة. ما أسّس لعلاقة تفاعلية جعلت هذا الفضاء الذي تديره زينب فرحات وتوفيق الجبالي، قبلةً للباحث عن الطاقات الجديدة. ولعل برنامج تظاهرة «العرض الأول» المخصصة للمسرحيين الشبان خير مثال على ذلك. في دورته الثامنة التي تنطلق غداً، وتستمرّ حتى 18 شباط (فبراير)، سيحتضن «التياترو» تجارب شابة تقدّم تسعة أعمال «ثورية» تقارب اللحظةالسياسية والاجتماعية الراهنة في بلاد الطاهر الحداد.

في مسرحية «الحي يروح» (9/2) يطرح صابر الوسلاتي سؤال الحرية بمعناها الواسع. يكتشف جمهور العرض أنّ كل مواطن عربي يخال نفسه حراً، لكنّه في النهاية ليس إلا مثالاً لحالة السجن الكبير التي نعيشها. وانطلاقاً من لوحة فنية تتضمّن ثلاث شخصيات، تنطلق حكاية فتحي الذهيبي من الجمود إلى الحركة وفق إيقاع تصاعدي. في عرضه «تعتيم» (10/2)، يقارب المسرحي الشاب ثلاث شخصيات ذات مواقف سياسية متباينة تعكس إشكاليات السلطة، والانتخابات، والعلاقة الجدلية بين السياسي والمثقف. أما «أهداب الأرض يا زيتونة» (11/2) لفاطمة الفالحي، فتجمع ستّة شباب وشابات بأزياء مختلفة تعكس البلدات التونسية، الآتين منها. يعكس العرض نظرة هؤلاء إلى مفاهيم الانتماء والوطن والأرض، والحبّ، من خلال رمزية شجرة الزيتون. وسط سينوغرافيا متقشّفة عبارة عن شجرة الزيتون، يلتقي الشبان على أرض يشرعون في بناء وطنهم فوق رقعتها... لعلّها تونس الجديدة بكل ما تحمله من تساؤلات عن ملامح الوطن المشتهى والعقد الاجتماعي الجديد بين مكوّناته. وقريباً من المناخ ذاته، ستقدم انتصار عيساوي مسرحيتها «حلمة وقص» (11/2). هنا يتخيّل عاملا نظافة نفسيهما في فضاءات وأزمنة مغايرة لواقعهما الأليم، لكنّ علاقتهما تنتهي بموت العامل الأول، الذي تتدهور حالته الصحية بسبب المرض. يقوم العرض في الأساس على لغة الجسد، مصحوباً بمؤثرات صوتية حية. أما مسرحية «حيرة مفتوحة» (15،/2) لوليد العيادي، فتنهض في عمقها على طرح السؤال الوجودي، ذاك المتعلق برأي الآخر، والعدالة، والأمل في التقارب الإنساني. مسرحية «فصل بلا كلام» (15/2) ليونس المقري ستقدم شخصية محورية تسعى إلى الخروج من مأزقها، لكنّ قوى غامضة تمنعها، فتتعثّر وتقع وسط المسرح في متاهة لا نهاية لها، فيما يقارب وحيد العجيمي «في الوقت» (16/2) علاقة الإنسان بالزمن من خلال أخوين منعزلين في منزل ريفي يرفضان التواصل مع العالم الخارجي، فيجثم الزمن ثقيلاً ويحوّل حياتهما إلى رتابة يحاولان كسرها وولوج مغامرات وهمية عبر استرجاع الماضي. ماض كان سبباً في تراكمات نفسية أدت إلى انهيار إحدى الشخصيات وموتها. أما مسرحية «انفلات» (17/2) لوليد الدغسني، فتصوّر رجلاً وامرأة يسكنان حياً قديماً، يسيطر عليهما شبح الخوف من المجهول، ويختلفان في تقويم الواقع بين من يدعو إلى عقلنة الثورة ومن يرى العنف جسراً إلى استعادة الحقوق وتحقيق مطالب الشعب. وأخيراً تأتي «آخر تنهيدة» (18/2) لسمية بوعلاقي، لتوجّه تحيةً إلى أرستوفان، وتحديداً إلى نصّه «ليزيستراتا»، الذي تلاعب فيه بسخريته المعهودة بكليشيهات صراع الجنسين. هنا، ستُضرب النساء عن ممارسة الجنس مع أزواجهن حتى يكفّوا عن الحرب الأزلية بين أثينا وإسبرطة.
الأكيد أنّ النقطة الجامعة لهذه المسرحيات التسع لن تحجب عن الجمهور اختلافاتها الجوهرية في مستوى القراءة والمقاربة، والكتابة وتنوّع التقنيات المعتمدة في كل منجز مسرحي.

تظاهرة «العرض الأول»: بدءاً من الغد حتى 18 شباط (فبراير) ــ فضاء «التياترو» (تونس العاصمة) ـــ
www.elteatro.net



مواعيد مواعيد

تزدحم مفكرة «التياترو» بالمواعيد. بعد تظاهرة «العرض الأوّل»، يستعدّ الفضاء التونسي الذي يديره المسرحيان توفيق الجبالي وزينب فرحات لاستضافة برنامج ثقافي غني يتواصل خلال شهري آذار (مارس) وأيار (مايو) المقبلين. البداية ستكون مع سلسلة حفلات سلام بعنوان «كيف كيف» لحاتم القروي وصبري مصباح في 23 و24 و25 شباط (فبراير) الحالي. تليها استعادة لعرضين قدمهما توفيق الجبالي العام الماضي، هما «رقصة القرد»، و«الخلوة». المسرحيتان تحملان الكثير من الإحالات السياسية عن تونس ما بعد الثورة. ومطلع الربيع، سيشهد «التياترو» تظاهرة بعنوان «أن تكون أسود (أو سوداء) في الخضراء»، بين 6 و15 آذار (مارس).