«نحن نعيش في هذا المجتمع، ونقدّم لغته. نرقص كما نتحدّث، فالرقص المعاصر يتعلّق بالمواضيع الاجتماعية والسياسية، والراقص يتأثر كثيراً بالأمور التي تحدث حوله، يدخلها إلى جسده ويخرجها عبر حركته، مقترحاً إجاباتٍ على تلك الأسئلة». هكذا تخبرنا الراقصة ميا حبيس مديرة Bipod، مبرزة بذلك أهمية وجود منصة للرقص المعاصر في بيروت. الفكرة نفسها يؤكدها الكوريغراف والراقص عمر راجح مؤسس المهرجان قبل 12 عاماً: «ما نفعله ليس جديداً على إرثنا التاريخي والحضاري. الأفكار التي نقدّمها كفنانين عرب، تعكس هذا الواقع الثقافي والمخزون الحضاري، وليس كل ما نقوله أو نقدّمه إذا كان جديداً هو «دخيل» على هذه الثقافة أو «استعمار»، بل هو بشكل أو بآخر محاولة لفتح الباب للتعبير بعيداً عن نمطيةٍ معتادة».
تعويل كبير على ملتقى «ليمون» الذي صار يقام سنوياً
يشهد «بايبود» هذه السنة مشاركة أحد أهم الراقصين/الكوريغراف الألمان رايموند هوغ الذي يقدّم عرضه «رباعي» (30/4 ـــ مسرح المدينة). عرف هوغ طويلاً عبر عمله مع الكوريغراف الألمانية الراحلة بينا باوش. تأسف حبيس هنا لأنّ «المهرجان لم يستطع استضافتها، إذ وافتها المنية قبل ذلك». وفي هذه الدورة، يخوض راجح «مغامرة» جديدة من خلال «بيتنا» (من 13 حتى 15 نيسان ـ مسرح المدينة) الذي يشكّل تصوراً للحياة «العائلية/ الاجتماعية» التي يرغب راجح في تقديمها لمشاهديه. يشير إلى أنّ «الفكرة انطلقت من التجمّع العائلي الحميم، ثم نقلته إلى المسرح، حيث يتشارك أناسٌ آتون من المهنة نفسها في عملٍ «عائلي»: إنه الغداء القروي/ العائلي مع أناسٍ يعملون مثلي». يقوم راجح بفعل «الطبخ» على الخشبة بمشاركة والدته، بينما يقوم هو مع محترفين آخرين في الرقص لإيصال الفكرة كما يريد. هكذا، تتمازج الثقافات، خصوصاً مع مشاركة راقصين/ كوريغراف من بلدان وثقافات ومشارب متنوّعة بتنوّع أساليب الرقص لديهم. يعلّق راجح: «هناك مثلاً كوين أوغستنجين من بلجيكا، وأناني سانوفي من توغو، وهيراوكي أوميدا من اليابان». على جانب آخر يؤدي الثلاثي جبران دور «الموسيقي» في العمل.
إلى جانب الحضور اللبناني القوي هذه الدورة (راجع مقال الزميلة روان عز الدين)، هناك ملتقى «ليمون» الذي يقام بالتوازي مع عروض المهرجان. يقام «ليمون» هذا العام تحت مسمّى «الرقص والحراك»، مستضيفاً أكثر من 22 فناناً لبنانياً وعربياً. يعمل الملتقى على «شقين» مختلفين: الأوّل أشبه بـ Show case يعرض الأعمال للمنتجين محلياً وعالمياً، وثانيها هو جمع عدد من الراقصين/ الكوريغراف لتقديم عملٍ مشتركٍ معاً. الجانب الأوّل يحدّثنا راجح عنه: «تتم دعوة مدراء مسارح عالمية، فضلاً عن منتجين وممولين لهذه الأنشطة كي يروا الأعمال، وهكذا يحصل هؤلاء الفنانون على تمويل (أو استضافة) لأعمالهم، وقد حصل كثيرون ممن يشاركون اليوم مثلاً على ذلك، مثل دانيا حمود أو غي نادر». عن الجانب الثاني تحدّثنا حبيس، مشيرة إلى أنّه «في 2015، حاولت من خلال ملتقى «ليمون» التركيز على التدريب والاستمرارية، فاخترت مجموعة من الراقصين، وأتحت لهم الفرصة للقاء والعمل معاً ضمن إطار تجربةٍ مشتركة. أنا كراقصة، أعرف كم أنّ هذا الأمر مهم وملح. كانت التجربة ناجحة للغاية وأفرحتني كثيراً، خصوصاً أن المجموعة التي عملت مع بعضها آنذاك لا تزال تتواصل مع بعضها حتى اليوم، ويشارك أفرادها في مشاريع مشتركة». هذا النجاح جعل ميا تقرر أن تجعل من «ليمون» نشاطاً موازياً للمهرجان ليجري بشكلٍ سنوي بعدما كان يقام كل عامين.