ضرب الإرهاب بروكسيل أمس؛ فتسارعت وسائل الإعلام لنقل ما جرى. إنها حمّى التغطية المباشرة. وبالمنطق؛ فإن تلك «الحمّى» تفترض عدواً. ولأن المرجّح الدائم بالنسبة إلى وسائل الإعلام الغربية، لا بد من أن يكون «إسلامياً عربياً»، تم سريعاً ربط التفجيرات بخبر إلقاء القبض على الفرنسي المغاربي الأصل صلاح عبد السلام المشتبه الرئيس في تفجيرات باريس؛ رغم أنَّ رئيس الوزراء البلجيكي تشارلز ميشل أعلن صراحةً في مؤتمره الصحافي بعد التفجيرات «أنه من المبكر جداً» تأكيد الرابط بين عبد السلام والهجمات الإرهابية.صحيفة «ميرور» البريطانية كانت سباقةً إلى هذا الأمر. سرعان ما أشار مراسلها (نقلاً عن مراسلٍ محلي) إلى أنه «سمعت طلقات نارية ثم كلمات بالعربية أعقبها الانفجار». الفكرة عينها أكدتها «سكاي نيوز» التي أوردت اسم المصدر البلجيكي وهي وكالة أنباءٍ بلجيكية تدعى «بيلجا» (Belga). أما قناة «روسيا اليوم»، فأشارت ـ نقلاً عن قناة VRT البلجيكية ـ أنّ «انتحارياً» فجّر نفسه، وبأن الشرطة البلجيكية عثرت على ثلاثة أحزمة ناسفة لم تنفجر في المطار.
اعتماد على صورٍ وأفلام نشرها هواة على مواقع التواصل

طبعاً صحيفة «غارديان» البريطانية رفعت من سقف «تحليلاتها» سريعاً، فأشارت إلى أنَّ «التنظيمات الإسلامية» لا «تموت» إذا ما تم القبض على أحد قادتها، من دون أن تنسى الإشارة إلى دور عبد السلام، مستشهدة بما قاله وزير الخارجية البلجيكي ديديه رايندرز (بعد القبض على عبدالسلام) بأنّه «بدا واضحاً أن الرجل يحضّر لعملياتٍ إرهابية عدة نظراً إلى حجم الأسلحة ونوعيتها التي وجدناها لديه». لكن أهم ما أشارت إليه الصحيفة أنَّ هذا الإرهاب هو «محلي»، مشيرة إلى أنَّ معظم الهجمات الإرهابية التي حدثت في أوروبا أتت بمعظمها من أناسٍ «محليين».
بدورها، كان طبيعياً أن تُدلي «سي. أن. أن» بدلوها. قبل مراجعة التقارير «الأمنية» لما حدث، وقبل أي شيء، سارع محلل الشؤون الأمنية في القناة الأميركية بيتر بيرغن إلى الإشارة إلى تورّط «داعش» و«القاعدة»، موضحاً أنَّ نوع المتفجرات المستخدمة في العمليات قد «طورته «القاعدة» ثم بدأت «داعش» باستخدامه»، وقد استعمل في تفجيرات لندن وباريس. «إندبندنت» رفعت الوتيرة، فعنونت «الهجوم على ديمقراطية أوروبا»، مستخدمةً التعبير نفسه الذي استعمله رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفين الذي قال بأن «الهجوم هو هجوم على أوروبا الديمقراطية».
في إطارٍ موازٍ، بدا جلياً اعتماد الإعلام الغربي بمعظمه على صورٍ وأفلام صورها هواة ونشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، أكثر من أي شيءٍ آخر. كما بدا أن وسائل أخرى اعتمدت بعض هؤلاء كشهود عيان، وأوردت تعليقاتهم على الفايسبوك أو تويتر كمصادر. وهو إن دل على شيء، فعلى مدى تأثير هذه الوسائل، لكنه أيضاً دليلٌ على عدم احترافيةٍ، إذ قد تكون هذه المصادر مزيفة، أو تحت تأثير الصدمة مثلاً رغم محاولة بعض الوسائل مثل France 24 الإشارة إليها بجملة «إليكم تلك التي تمكنا من التحقق من صحتها».