على الغلاف | لم يقتصر نضال سامر العيساوي على العمل السياسي والعسكري. منذ الأسابيع الأولى لتحريره ضمن صفقة «الوفاء للأحرار» عام 2011، بدأ العمل على مشاريع ثقافية واجتماعية تستهدف الطفل في قرية العيساوية المُحاطة بالمستوطنات في القدس المحتلة، آملاً أن يخلق نموذجاً قابلاً للتطبيق في مناطق مختلفة في المدينة، مشتاقاً للطفل الذي ترك الدراسة على عتبة المرحلة الإعداديّة أثناء اعتقال اخوته الأربعة ليعمل ويعيل أسرته في حاجيّاتها اليومية.
حتى أنه كان يدّخر ويحرص على حضور الأفراح والمناسبات الاجتماعية ليقدم «الواجب» كما تقول والدته في حديثها لـ«الأخبار».
بدأ سامر عمله مع الأطفال بعقد دورات تقوية في مواد دراسية عدة برفقة أصدقائه المُدرسين، وإيصال كتب المناهج الدراسية المتأخرة عنهم، بالإضافة إلى برنامج يتناوبون عليه لتنظيف بلدتهم وشوارعها في محاولة لمواجهة التهميش الذي يتعرضون له من غياب المرافق العامة وتردّي مستوى التعليم في المدارس، إلى سياسة الأسرلة والتهويد الممنهجة لمدينة القدس وأهلها. هكذا، كوّنوا فريقاً من الدرجات الهوائية (حوالي 60 طفلاً) للرد على «ماراثون القدس» التهويدي الذي تشرف عليه بلدية الاحتلال. كما كانت لهذا الفريق مشاركات هامّة في ذكرى النكبة عام 2012، والاعتصامات التضامنية مع الأسرى في مقر الصليب الأحمر في القدس. يومها، جابوا شوارع المدينة المُحتلة بدرّاجاتهم وهي تحمل صور الأسرى المضربين عن الطعام في ذلك الوقت. كما عمل على تمكين علاقتهم بالأرض وتعزيز ثقافة العودة من خلال زياراتهم للقرى المُهجرة في محيط القدس وعونهم للمزارعين الواقعة أراضيهم بين المستوطنات، وغيرها الكثير من النشاطات التي من شأنها تعزيز ثقة الطفل بنفسه وإدراكه لمسؤوليته تجاه محيطه ووطنه، ولا يكون الاهتمام بالطفل موسمياً كما في غالبية المؤسسات حسب وصف سامر لها.
وعن ذلك، يقول سامر: «لم أشعر يوماً أني أكبر منهم. حتى أن حرصهم عليَّ كان أكثر من حرصهم على أنفسهم؛ عندما قررنا مغافلة الجنود والدخول بعدد كبير إلى ساحات المسجد الأقصى بدراجاتنا الهوائية ولم نستطع، وقعت مُشادّة كلامية بيني وبين الجنود، فحرص الأطفال على تهريبي قبل اكتشاف الجنود هويتي الشخصية وملفي الأمني. الموقف نفسه تكرر خلال فعاليات ذكرى النكبة قبالة باب العامود، فما كان منهم إلّا أن فصلوني عن الجنود قائلين: انتَ روح واحنا مِنخَلِص معهم». ربما تُبين هذه الذكريات أحد الأسباب التي دفعت الأطفال ليقفوا وحيدين أحياناً يرفعون صور صديقهم المضرب عن الطعام قبالة باب العامود، ويركض أحدهم من حيفا في ساعات الصباح الأولى ليُجالسه بعد انتصاره، ولا ينام آخر حتى يتصل به ولو في ساعات الفجر، ويوصي من فارق هذه الدنيا قبل أن يتمم الخامسة عشرة من عمره أهله وهو يصارع شبح الموت أن «احكوا لسامر إني بحبه وأحب الأشياء الي كان يعملها».