الكاميرا تلاحق أقدام الوافدين إلى المخيم وترصد أصوات حقائبهم وهم يجرونها على الرمل، وفي خلفية المشهد تصدح موسيقى تكنو فيوجن مؤثرة يرافقها صوت بشري. هنا مخيم الزعتري، قبلة صانعي المجد الإعلامي بحجة قضية اللاجئات السوريات وزواجهن من شيوخ خليجيين. زواج لا يطول أكثر من أسبوع واحد كحد أقصى. حتى إسرائيل ركبت الموجة وأرادت أن تظهر «إنسانيتها» المفرطة، فأعدت تحقيقاً محكماً صنعه واحد من أمهر صحافييها هو هنريكا تسيرمان. يحمل الأخير أيضاً الجنسيتين البريطانية والألمانية الأمر الذي يساعده على التنقل في الدول العربية، حيث سبق أن أجرى لقاءات مع سياسيين بثت على القناة العاشرة الإسرائيلية.
لقاءات شملت بعض الشخصيات التابعة للإخوان المسلمين في مصر. هكذا، دخل تسيرمان بحيلة الجنسية غير الإسرائيلية إلى مخيم الزعتري للاجئين في الأردن، وقد يكون استعان بجهات أردنية. راح يجول بكاميرته على الحياة المعدمة لسكانه الـ«160 ألف». بعدها، يبدأ الصحافي الإسرائيلي الحديث مع قاصرات تزوجن من أجل المال من شيوخ سعوديين مسنين، ليصل في تحقيقه المكثف إلى «الخطّابتين» اللتين تسكنان في حي النزهة في عمان. تجيب إحداهما على أسئلة الصحافي بلهجتها الحمصية، مؤكدةً أنها مستعدة لتزويج بناتها بالطريقة نفسها، لأنّها البديل الوحيد عن «الوقوع في الرذيلة». مجدداً، تعود الكاميرا إلى المخيم لتقع على مفارقة مدهشة تتجسد بمجموعة أطفال يتحاربون في لعبة على الكمبيوتر ويصرخ أحدهم «الله أكبر»، ثم إجراء لقاءات مختلقة مع اللاجئين قبل العودة إلى الفكرة الأساسية للشريط. يسجّل التحقيق حوار «الخطّابة» مع فتاة قاصر مطلقة تسأل ما إذا كان العريس الجديد سيضربها مثل سابقه، ويأتيها الجواب: «لا أحد يعلم لكن نتمنى ألا يحصل ذلك». بعد ذلك، يتحاور الصحافي بمساعدة المترجمة الأردنية مع الفتاة ذات العينين الخضراوين، التي تحكي له عن العنف الذي تعرضت له على يد زوجها السعودي الأوّل الذي اغتصبها طوال فترة وجودها عنده. ببراءة واضحة، تشرح الفتاة عن العقدة التي خلفها لها زواجها، مشددة على أنّها غير آبهة لمصيرها، قبل أن تنهار بالبكاء في ختام التحقيق. صحيح أنّ التحقيق أنجز منذ تشرين الأول (نوفمبر) الماضي، لكن الأنظار لم تلفت إليه إلا عندما بدأ تداوله على فايسبوك في الأيام الأخيرة.
لا يمكن لمشاهد منصف تغييب أهمية التحقيق التلفزيوني وكثافته ولغته التوثيقية، إلا أنّ الواضح أنّ اللاجئين وقعوا ضحية إعلام العدو. من حيث لا يدرون تاجر هؤلاء بمشاعرهم وعواطفهم ليوصلوا رسالة للعالم مفادها أن الكيان الصهيوني «يحزن» على الشعب السوري ويتعاطف معه، ويعرف كيف يصنع تقاريراً تلفزيونية محكمة عن معاناتهم في مخيمات القهر! هي ليست المرة الأولى التي تدخل فيها إسرائيل على خط «الثورة» السورية، فقد سبق للصحافيين إيتاي أنغل وأمير تيبون تصوير وثائقي من إدلب لصالح القناة الثانية الإسرائيلية (الأخبار 15/3/2013). لم يكن ينقص الكارثة السورية سوى «التعاطف» الإسرائيلي المفضوح لمحاولة التأثير على المهجرين المعوزين وإفهامهم أنّ العدو ساندهم يوماً ما