الرباط | في 2009، كان هاني زعرب (1976) يودّع زوجته وطفله قدسي المسافرين إلى القدس. سأله ابنه حديث العهد بالكلام عن سبب عدم سفره معهما. السؤال استفز الفنان المتحدر من غزة، فشكّل مادة للتفكير في مشروع فني يقارب هذه الرحلة غير الممكنة إلى الذاكرة والوطن البعيد. في معرضه «درس في الطيران» الذي اختُتم أخيراً في Le Cube في الرباط، قدم الفنان الفلسطيني المقيم في باريس لوحات تشتغل على فكرة الطيران والسفر. «درس في الطيران» و«انتظار» (الصورة أكريليك وصباغة على كانفاس ـــ 81 × 65 سنتم ــ 2013) أعمال يتحرر عبرها من ثقل «المنفى» الباريسي حيث يقيم منذ سنوات. يشتغل على اللوحة ليجعلها فضاء للحركة والجمود/ الاستقرار. يسائل أيضاً (وأحياناً يجابه) الشرط الإنساني لذاته أولاً وللشعب للفلسطيني ثانياً بين السجن الكبير الذي يفرضه الإسرائيليون، وبين حقيبة الهجرة والتغريبة الفلسطينية عبر العالم. يضع زعرب ابنه ولعبه المتمثلة في طائرات وشاحنات في قلب العملية الفنية. وكما جعل «الأمير الصغير» (المتخيّل) الكاتب الفرنسي أنطوان دو سان أكزوبيري يؤلف رائعته الشهيرة، فإنّ قدسي ابن زعرب، أمير صغير يعود بوالده إلى فلسطين ولو باقتراح لا تخلقه إلا مخيّلة طفل: «سأحملك في حقيبتي». يقول زعرب عن المشروع الفني: «بفضل الزيت، الأكريليك وبعض الوسائل الأخرى، أحاول خلق كون يتألف من ثلاثة عوالم: المنفى حيث يعيش الفنان (الأب) ويظهر كائن إنساني وحيد هو الابن. عالم ثان يخص قدسي، ونقدم أحاسيسه وعالمه وألعابه التي يدخل في تفاعل معها.

أما العالم الثالث فهو عالم البلد (أو الذاكرة) المتمثل عبر حيطان أو طبقات متوازية كأثر رمزي لحياة مركبة». كأن الفنان يستفز الفضاء الأيقوني (القانوني أيضاً) الذي لا يريد للعوالم الثلاثة (الابن، الأب، والأرض) أن تجتمع معاً. يرى النقاد أن زعرب من جيل من الفنانين الفلسطينيين الذي تخلصوا من هاجس الإيديولوجيا عائداً بالفلسطيني إلى إنسانيته التي تعاني الاضطهاد والظلم. هكذا تحضر فلسطين لدى زعرب في أشكال مختلفة، تنتقل بثالوث الابن والأب والأرض إلى فضاء تعبيري أقل صرامة وأرثوذكسية. فلسطين تجاور العالم وتكشف عن تناقضاته، وتفضح شراسة المحتل، متخففة من الإيديولوجيا الفنية. رجال/ رجل زعرب هنا يتخذون وضعيات مختلفة تلتقي على معنى واحد: تركيب سيرة ذاتية جديدة لحياة عنوانها الترقب والانتظار.