بين مغاور جبلية محصنة وجرود قاحلة في مرتفعات القلمون، أمضى الزميل رضوان مرتضى ستة أيام متفرّقة مع مقاتلي الجبهات الإسلامية المعارضة، غير آبه بخطر الموت الذي يتربص به من كل حدب، ولا بالقصف العنيف الذي يعتبره المقاتلون هناك مجرد منبّه صباحي يوقظهم على فترة تدريبهم الأولى. «روحك بغلاوة أرواحنا» قطع المقاتلون عهداً على الزميل المشاكس قبل أن يحزم أمره ويصل إليهم، مؤكدين أنه لن يصيبه إلا ما يصيبهم، ليكون أول صحافي عربي يدخل المنطقة ويوثق ما يحدث بالكلمة والصوت والصورة.
حرصت الجماعات هناك على التعامل معه بمنطق إكرام الضيف وحمايته ونصحه بعدم الذهاب للقاء بعض الكتائب التي قد تختطفه لتطالب بفدية كما حدث لاحقاً مع صحافيين سويديين اختطفا في المنطقة ذاتها. كل ذلك خلق عنده تعاطفاً مع بعضهم، خصوصاً أنّهم ممن خسروا الكثير في هذه الحرب حتى اضطروا إلى حمل السلاح في وجه النظام. يكفي هؤلاء أن يكون ضيفهم مسلماً ليكون بأمان، ولن يبذلوا جهوداً للتحقق من مذهبه في حال أوحى لهم بالتوافق معهم، ووصل عن طريق صديق موثوق به. رحلة محفوفة بالمغامرات كانت حصيلتها سلسلة تحقيقات صحافية نشرتها «الأخبار»، وفيلماً وثائقياً بعنوان «في جبال القلمون» (25 دقيقة ــ تعليق صوتي على الشريط لكمال خلف). تهافتت المحطات العربية على الشريط بسبب حصرية المشاهد التي يصوّرها، لكنه رسا أخيراً على قناة «الميادين» التي ستعرضه حصرياً هذا المساء. «كان هناك تنسيق مسبق مع بعض قادة الكتائب في القلمون من خلال صديق لي تجمعه علاقات طيبة بهم. وبناءً على هذا التنسيق، انطلقت إلى عرسال حيث أتى شخص ليرافقني. قضيت ستة أيام متفرّقة كنت أتجول خلالها نهاراً، وأنام ليلاً في المغاور والمقار العسكرية للمعارضة، وكنت أطل من أماكن وجودي على الأراضي اللبنانية وعلى الأوتوستراد الدولي لدمشق حمص» يقول مرتضى، مضيفاً: «أردت تصوير وثائقي، لكنّي لم أكن أتخيل بنية الفيلم. وبمجرد وصولي إلى الأراضي السورية واطلاعي على الطبيعة الجغرافية الساحرة لتلك المرتفعات، قررت الانطلاق من وصف المكان، ثم ملاحقة دقيقة ليوميات المقاتلين في إحدى الكتائب، بدءاً من أصغر التفاصيل مروراً بالطقوس الحياتية وانتهاءً بأعلى درجات التهيّؤ والتكتيكات القتالية». وبالفعل هذا ما حصل حين اختار مرتضى «كتيبة بلال الحبشي». صورّ مرتضى 8 ساعات حتى تمكن من استخلاص 25 دقيقة توثيقية منها. يقول إنّه حاول التركيز فيها على محور جوهري يتعلق بهزيمة تلك الكتائب المعارضة في منطقة القصير وانسحابها نحو مكانها الحالي في جبال القلمون، والسؤال حول إمكان تكرار السيناريو والهزيمة مجدداً والمكان الذي ستلجأ إليه في حال حصل ذلك. يأتي الجواب حاسماً من قبل مقاتلي «النصرة» و«داعش» و«جيش الإسلام» و«الكتيبة الخضراء»: «القصير سقطت بسبب الخيانات ولن تعاد الكرة، بل ستكون جبال القلمون مقبرة للنظام ولحزب الله». يظهر الفيلم كيف أنّ الثأر والحقد الطائفي يشكّلان وقود هؤلاء في هذه الحرب، إضافة إلى «أنّهم يخوضون معركة محقة مع نظام أمعن في تعذيب الناس المسالمين وقتلهم» وفق ما يقولون في الوثائقي.
يعرج الشريط على التناقضات التي تنضح بها المنطقة. رغم الصراع الدائر، ما زال النظام يزوّد تلك المناطق بالمياه والكهرباء والاتصالات والإنترنت. ويبرز العمل موقف المقاتلين من بقية الطوائف ومعتقداهم الدينية وما ينتظرونه من هذا القتال الذي اقترب من دخول العام الثالث، مروراً بأطفال لا يتجاوزون 16 عاماً دخلوا على خط القتال وحملوا السلاح ورابطوا في نقاط حساسة. يبلغ الشريط ذروته عندما يطرح مرتضى سؤالاً على أحد المقاتلين هو: «ماذا تفعل إن ألقيت القبض على شيعي أو علوي؟». يأتيه الجواب قاطعاً «سأذبحه من الوريد إلى الوريد». هنا يتدخل الشيخ المسؤول ويطلب من المقاتل التروّي، فمهمته تنحصر في تسليمه للهيئة الشريعة وهي التي تقرّر مصيره بعد التحقيق معه. يظهر الوثائقي أنّ النسبة الأكبر من المقاتلين في هذه المنطقة هم سوريون رغم وجود بعض الغرباء، لكنهم ليسوا سمة عامة. ويتضمن «مفاجأة» هي مقابلة مع مُطلق الصواريخ على الهرمل رعد حمّادي. لكن هل يستحق هذا العمل كل تلك المخاطرة؟ يردّ مرتضى: «من المؤكد أن هناك مغامرة غير محسوبة. عندما تقرر المرور من معبر غير شرعي يقصف كل يوم، وتقيم في منطقة حامية تشهد أعنف المعارك، يصبح الخوف وراءك، ويكفي أنني وصلت إلى عقر دار هؤلاء الإسلاميين وسمعت منهم من دون أن أستعين بروايات إعلامية. كان لا بد من وصول أحد الصحافيين وتوثيق ما يجري هناك بشكل مباشر».

* «في جبال القلمون» الليلة 20:30 على «الميادين» (السبت 13:30 ــــ الأحد: 3:30 ـــ 8:30)







عن «القاعدة» وجبل محسن

يفصح رضوان مرتضى عن أن فيلمه المقبل وثائقي طويل (52 دقيقة) يروي قصة تنظيم «القاعدة» ونظرته إلى المستقبل ومشروعه الإسلامي في المنطقة. وسيحوي الشريط مقابلات مع قادة تنظيم «جبهة النصرة» و«داعش» الذين يتحدثون عن الظلم الذي تعرضوا له وعن أهدافهم وطموحاتهم. كذلك يكشف الشريط عن حجمهم الحقيقي في المنطقة بين سوريا ولبنان وعن إمكانية نجاح مشروعهم البديل نتيجة للخواء الذي يعصف بالمنطقة. ويعمل مرتضى على إنجاز شريط ثالث عن الصراع الدائر في طرابلس بين جبل محسن وباب التبانة، والبذور الأولى لبدء الصراع وتغذيته، ولقاءات مع شهود نادرين في هذا الصراع.