الدوحة | مَن منا من لم يشاهد فيديوات الذبح على الهوية؟ ومن منّا لم يقرأ أو يطالع صور الضحايا في سوريا والعراق التي شكلت فيها المذهبية عصب الجماعات المتشددة لسنّ سيوفها ضد الإنسانية والحياة؟ لكن السيف الذي يطالعنا هنا أقل قساوة، أقل عنفاً، جاء ليكون استعادة على شكل لعبة أو مكنسة، أو شكل مضحك في كثير من التجهيزات التي احتواها المعرض الفردي الأول للفنان العراقي محمود العبيدي (1966) الذي احتضنه أخيراً مركز «كتارا» الثقافي في الدوحة.
سيوف القبائل الرجعية والجماعات الإسلامية المتشددة اختفت عن جدران معرض «ارتباكية»، وعلِّقت بدلها مجموعة نماذج لسيوف وأعمال تركيبية وظيفتها الرئيسية تجريد السيف من رمزيته التاريخية التي لطالما وسمته بالعنف. أداة الحرب التاريخية ارتجلها العبيدي وجردها من قوتها ليكتب بها كلمة «السلام» باللغتين العربية والإنكليزية، ما يحمل دلالات مغلفة بالكوميديا السوداء والسخرية التجريبية من آلة الحرب القديمة ونقد انعكاساتها على مشهدنا المعاصر.
اشتغل العبيدي هنا على السيف. لم يعد الأخير رمزاً للعنف، بل طوعه فنياً ليكون أداة تتشكل من العبث أحياناً أو قطعة فنية نادرة أو مشنقة أو حتى مصلاً مملوءاً بالسكاكين والمناجل في دلالة ساخرة على وجودها في دم المتشددين، ما ولّد المجازر والحروب الأهلية. هي عملية تحويل الأشياء إلى أدوات وقطع غير ضارة، أفقدها الفنان العراقي وظيفتها الأصلية في نوع من الاحتراف وتصوير وردي للبكائية العراقية اليومية.
تصورات العبيدي في إمكانية استخدام السيف في خدمة السلام قد تبقى حلماً يعلقه على جدران معرضه في العاصمة القطرية. لا شيء يوقف اليوم افتتان العالم بالأسلحة التي باتت لعبة الأنظمة والسياسيين المفضلة. سيوفه ستبقى خارج صناديق القبيلة المزخرفة. يستخدمها مرة لتعليق الملابس، أو يجعلها مدورة أو من دون نصل أو متشابكة ببعضها، ما يفقدها القدرة على القتل، ويخلق للرائي صورة أليفة لهذه الآلة المرعبة. لا وجود لضحايا هنا. فقط آلة القتل المرتبكة في وظيفتها. حلزونية أو على شكل مكنسة أو مطرقة وحتى مجرد جمعها في طنجرة مقولباً واقع كونها من يصنع مادة الأخبار اليومية. هي عند العبيدي خلاصة «مزحة» قاتلة، ينتهي مفعول الدم فيها بمجرد نزع الغرض منها. قد يكون الفنان بهذه الطريقة يعكس لنا فكرة الجريمة والعقاب.
لكن في وسط القاعة في مركز «كتارا»، وضع الفنان بيت شعر لأبو تمام معكوساً على الحائط من خلال عاكس ضوئي: «السيف أصدق إنباءً من الكتب» سيكون الدلالة الأكبر في رمزيته، وخصوصاً ونحن نعيش زمن الذبح على الهوية.
http://www.obaidiart.com/Confusionism