القاهرة | «علوّ صوتك دليل على ضعف موقفك»، قول مأثور لا يؤمن به معظم مقدّمي برامج «توك شو» في مصر. على العكس، فهؤلاء يعتقدون أن علوّ صوتهم سيؤدي إلى الحفاظ على جماهيريتهم، حتى وصل الأمر بحنجرة بعضهم إلى الوصول إلى المشاهدين في منازلهم حتى لو قاموا بالضغط على زر الـ mute (صامت)، كما يتندّر النشطاء عبر مواقع التواصل الإجتماعي.
لا شك في أنّ برامج «توك شو» المصرية تعاني عيوباً عديدة، لكن أزمة الصوت العالي باتت متكرّرة، وخصوصاً خلال أيام الاحتقان السياسي، وقد أعادها إلى الواجهة أخيراً فيديو للإعلامي عمرو أديب خلال حلقة من برنامجه «القاهرة اليوم»، الذي يعرض على قناة «اليوم». في هذا الفيديو الذي حقّق أكثر من نصف مليون مشاهدة عبر يوتيوب في غضون ثلاثة أيام فقط، هاجم أديب بصوت جهوريّ وبألفاظ قاسية الرئيس المصري المؤقّت عدلي منصور، ورئيس الوزراء حازم الببلاوي، ووزير النقل والمواصلات إبراهيم الدميري بعد حادث قطار دهشور (محافظة الجيزة) الذي راح ضحيته العشرات، اثر اصطدام القطار ليلاً بسيارة نقل ركاب.
بدأ الاعلامي الحلقة بهدوء خادع، ثم دخل مباشرة في اتهام الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ثم المعزول محمد مرسي، ومنصور بالفشل، بسبب تكرار حوادث القطار بالسيناريو نفسه في عهد كل منهم. استخدم المقدّم عبارات مثل «يا فشلة يا كفرة». وقال لوزير النقل إبراهيم الدميري «استقِل، أنت فاشل. استقل لو عندك دمّ، إنت إزاي بتنام من أرواح ضحايا الحوادث؟».
كلام أديب منطقيّ بالطبع، لكن الصوت العالي والمصطلحات والمفردات المستخدمة جعلا الاهتمام بعلوّ الصوت أكثر منه بالمضمون نفسه، كما يفتح الباب لسؤال هو: هل يستخدم أديب وباقي مذيعي «توك شو» نبرة الصوت نفسها مع مسؤولين آخرين في كوارث أخرى؟ تلك الانتقادات لا تصل على ما يبدو إلى مذيعي المحروسة داخل الاستديوهات، وحجم المشاهدات المتزايد لهم عبر يوتيوب هو المحرّك الأساسي لاستخدام الأسلوب نفسه مجدداً. كذلك هي حال الإعلامي توفيق عكاشة، مذيع قناة «الفراعين»، الذي يتّهم الشعب باستمرار بأنه «حمار ومش بيفهم»، ويتكلّم دوماً باعتباره جالساً مع المشاهدين في منزله الريفي في الدلتا (شمال مصر).
تفتح تلك الظاهرة من جديد ملفّ النموذج المتفرّد الذي تقوم عليه برامج «توك شو» المصرية (أغلبها بالطبع لا كلّها)، فمن يمنح المذيع الفرصة أصلاً للصراخ أمام الكاميرا لمدة عشر دقائق متصلة، حتى يخال المُشاهد أنّ الاعلامي على وشك الإصابة بأزمة قلبية.
مَن يمنح المذيع تلك الفرصة هو النموذج الذي يرى أنّ المذيع هو النجم لا الضيف ولا الموضوع. لهذا تجد هؤلاء يخاطبون الكاميرا من دون سكريبت أو كلام معدّ مسبقاً، ويقاطعون الضيوف بآرائهم المتعارضة معهم لا بالأسئلة. بالطبع قد يصاب خبراء البرامج في الغرب بالصدمة إذا عرفوا أنّ هناك برامج «توك شو» في مصر قد تستمرّ على الهواء أكثر من أربع ساعات، بحسب الظروف والأجواء. هكذا لا يوجد أي شيء محدّد، ولا نصّ يمكن أن يسير عليه المذيع من البداية حتى النهاية، والهدف دوماً هو محاصرة الجمهور الجالس في المنازل بأفكار معينة. هذا ما يفسّر إحصائيات جديدة تشير إلى تراجع إهتمام الجمهور ببرامج «توك شو» السياسية بسبب حالة الشحن والاستقطاب المستمرة التي يفرضها مقدمو هذه البرامج، سواء عبر نوعية الضيوف المكرّرين، أو الأسئلة الموجّهة إليهم، أو الصراخ أمام الكاميرا كما يفعل أديب.

يمكنكم متابعة محمد عبدالرحمن عبر تويتر | @MhmdAbdelRahman