انتهت إحدى حفلات الثأر والانتقام في السعودية. المملكة الوهابية التي لطالما وظّفت كل طاقتها لمحاربة حرّية التعبير، كلّفت أخيراً «هيئة الرقابة الملكية» الإفراج عن المدوّن والصحافي السعودي حمزة كاشغري (25 عاماً) الذي اعتُقل على خلفية تغريدات وُصفت بالـ«مسيئة»، وكانت عبارة عن محادثة وهمية مع النبي محمد، وأخرى تناولت الله، مما دفع ببعض المتشددين إلى وصفه بـ«المرتد والكافر».
مواقع التواصل الاجتماعي نشرت نبأ الإفراج عن كاشغري، الذي اعتقل في 12 شباط (فبراير) 2012، بعد محاولة فراره وتسليمه من قبل السلطات الماليزية بموجب مذكرة توقيف صدرت عن الإنتربول بناءً على طلب سعودي. الإفراج جرى أمس من دون محاكمة، بعدما وقّع الشاب السعودي في المحكمة الجزائية في الرياض «إعلان توبته وندمه» على ما كتبه، خوفاً من حكم الرِدّة وعقوبته الإعدام.
بدأت محنة كاشغري في 4 شباط (فبراير) العام الماضي، حين قرّر نشر تعليقات جريئة على تويتر في يوم مولد النبي محمد، جاء فيها: «في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبّل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي، وأتحدّث معك كصديق فحسب»، مضيفاً: «في يوم مولدك، سأقول إنّني أحببت الثأر فيك، لطالما كان ملهماً لي، وأنّني لم أحب هالات القداسة، لن أصلّي عليك». وفي تغريدة أخرى، قال: «نيتشه قال مرّة إنّ قدرة الإله على البقاء ستكون محدودة لولا وجود الحمقى (...) ماذا سيقول لو رأى الهيئة؟»، في إشارة إلى مطاوعة «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في السعودية.
تغريدات دفعت وزير الثقافة والإعلام عبد العزيز خوجة إلى توقيف كاشغري الذي كان يعمل في جريدة «البلاد» المحلية، عن الكتابة في جميع الصحف والمجلات السعودية، فضلاً عن ملاحقته أمنياً بسبب «تجاوزه كل الخطوط الحمراء»، وفق ما ورد في قرار القبض الملكي.
بعد سنة وتسعة أشهر، خرج حمزة من السجن، فيما أنشأ مجهول حساباً باسمه على تويتر، وصل عدد متابعيه إلى أكثر من 4000 حتى اللحظة. وقد تضمّن الحساب الجديد تغريدة وحيدة هي: «صباحات الأمل.. والأرواح التي لا تموت... الحمد لله قديم اللطف».
في غضون ذلك، ظهرت صفحات نشط عليها مدوّنو الرسائل القصيرة على تويتر، تنوّعت آراؤهم بين الترحيب بالإفراج ومهاجمٍ له. الناقد والكاتب السعودي عبد الله الغذامي مثلاً، كتب على صفحة «الإفراج عن حمزة كاشغري» تعليقاً مفاده: «من له طريق إلى أم حمزة أبلغوها عنّي السلام ودمعة من القلب. شكراً لله على الفرج»، فيما سخر ناشط آخر على الصفحة نفسها بالقول إنّ «الملك أصدر أمر القبض على كاشغري وهو في ماليزيا ثم برّأه. قرارات يجب منحه عليها جائزة أوسكار لأسوأ فيلم».
خلف هذا المشهد الافتراضي السعودي، يقبع إرث اجتماعي وسياسي وديني ثقيل، تتنازع أطرافه على مهمة الرقابة في الوقت الذي تحاول فيه الأصوات المنشقة مثل كاشغري ومعتقل الرأي رائف بدوي وآخرين تغيير أو تمييع تلك القبضة القمعية، وخفض صوت الرقيب بأدوات لا نهاية لها.