في مقال نشره أمس، كشف رئيس تحرير ومدير موقع قناة «الجديد» ابراهيم دسوقي عن جزء من فضيحة مالية تهزّ «نقابة محرري الصحافة اللبنانية». أورد الصحافي اللبناني أنّ خمسين شيكاً فُقدت من صندوق النقابة كان يفترض أن تصل إلى اشخاص محددين كبدل مساعدات، ثم «تبرّع» النقيب الياس عون بتسديد ــ من جيبه الخاص ــ شيك بعشرة آلاف دولار كجزء من الأموال الضائعة، على أن يطوى الملف. جاء ذلك بعد تشكيل لجنة تحقيق أوكل لها إعداد تقرير مفصّل بالمخالفات المالية وتألّفت من أربعة أشخاص من النقابة هم: منير نجار، وعلي يوسف، وحبيب شلوق، وكميل خليل.
في الظاهر، يبدو هذا الكلام فضيحة حقيقية. الا أنّ الحقائق التي تضمنها التقرير المذكور كشفت مخالفات وفضائح بالجملة تمسّ النقيب وتعود الى شهر نيسان (أبريل) الماضي. التقرير المؤلف من 5 صفحات، يظهر جلياً التورط في قضايا فساد ورشى ومحسوبيات دُفعت فيها الأموال بطرق غير شرعية. تبدأ هذه المخالفات من افادة النقيب من منصب «امانة دار النقابة» التي استقال منها العام الماضي، وهذا الأمر يترتب عليه الاستفادة من تقديمات صندوق الضمان الاجتماعي ولاحقاً يحق له الحصول على حق تعويض نهاية الخدمة. لم تقف المخالفات هنا. بحسب التقرير، يستفيد النقيب من خلال سائقه المستقيل أساساً منذ 7 أشهر، من راتبه الذي يجيّر الى «جيبه» الخاص. كذلك، ضرب النقيب بقوانين النقابة عرض الحائط عندما أقدم على خطوتين من دون استشارة مجلس النقابة، هما: الاستعانة بمهندسين بغية الاستحصال على أرض لبناء مركز على أرض النقابة وصَرف في هذه العملية مبلغ مليون ليرة لكلّ مهندس. والأمر الثاني يتمثل في توظيف مستخدم لمتابعة معاملات الضمان وتخصيص بدلات نقل له.
الشق الثاني من التقرير/ الفضيحة يضيء على صرف المعايدات، وهنا الطامة الكبرى. فقد كشف عن احتفاظ النقيب لشخصه بقيمة الشيكات المخصصة لأعضاء النقابة (39 شيكاً تبلغ قيمتها 14 مليوناً و800 الف ليرة). أيضاً، دفع الياس عون مبالغ هذه المعايدات نقداً الى الأعضاء، علماً أنها عادة ما تصرف على شكل شيكات. وهنا تظهر عملية التزوير التي قام بها النقيب لتسييل هذه الشيكات اليه، عدا دفع المعايدات لأشخاص لم ترد أسماؤهم في لائحتها. القضية المحزنة في هذه المعمعة هي ورود اسم الصحافي الراحل بيار القاضي الذي تبين أيضاً من خلال التحقيق عدم دفع تعويض الوفاة لعائلته الذي يبلغ مليون ليرة، بل جُيِّر الى جيب النقيب الذي وضع على الشيك نفسه كمستفيد أول!
لجنة التحقيق وجّهت أصابع الاتهام الى محاسب النقابة الذي «يرى عمليات التزوير أمامه ولا يعترض، بل يساعد في تنفيذها». كذلك، أوردت أنّ غياب الوثائق للمعاملات المالية أعاق عمليات التدقيق التي كانت تجريها. وأوصت اللجنة في ختام التحقيق بتفعيل دور أمين الصندوق ليكون مشرفاً على التأكد من «صوابية كل العمليات المالية».
كلّ هذه الفضائح لم تهز نقيب المحررين الذي قال لـ«الأخبار» إنّ كل ذلك يندرج ضمن عملية «تشويه سمعته» مشيراً إلى أنّ ما ورد في التقرير «غير صحيح جملةً وتفصيلاً». وعن سبب عدم رده على فحواه، أجاب: «ليه في جرصة أكثر من هيك؟». وحمّل المسؤولية الى العضوين في النقابة حبيب شروف ومنير نجار اللذين «سيموتان من الغيظ ويريدان الاستحواذ على كرسي النقيب» عارضاً فكرة استقالتهما، ومؤكداً في الوقت عينه استعداده لأي مساءلة وردت في التقرير المذكور.
هذا التقرير الذي أظهر الكمّ الهائل من الفساد والتزوير داخل النقابة، حاول البعض طمسه والقول بأنّ «الأمر انتهى» كما جاء على لسان أمين الصندوق عرفات حجازي الذي استغرب اثارة هذه القضية إعلامياً بما «أنّ النقيب تعهّد بدفع كل النواقص»! ولدى الاستيضاح عن هذه المبالغ، قال حجازي لـ«الأخبار» إنّه جرت العادة منذ عهد الراحل ملحم كرم بتخصيص مبالغ معينة تحت عنوان «مساعدات اجتماعية» لبعض اعضاء النقابة الذين يعانون من حالات خاصة كالمرض أو قد تدفع هذه المبالغ بعد وفاة أحد النقابيين ضمن الصرف بعنوان «مساعدات وفاة». علماً أنّ المبلغ يصل في هذه الحالات الى ألف دولار.
مهما كان الحرص من بعض اعضاء النقابة على كتم هذه الفضائح المالية، الا أنّ التقرير وما تضمّنه لا يمكن أن يمرّ مرور الكرام ولو دفع المبلغ «المفقود». هذا التقرير هو بمثابة إخبار الى الجهات القضائية المعنية لتتحرك على ضوء خلاصاته واستنتاجاته، ولا مكان طبعاً لطيّ الملف بل على العكس، يجب منذ الآن فتح هذا الملف ومحاكمة المتورطين.

تقرير لجنة التحقيق كاملاً


يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab




القانون الداخلي

تنصّ المادة الثامنة والعشرون من القانون الداخلي لنقابة المحررين (الشق المتعلق بأمين الصندوق) على أنّ «كل سحب من أموال النقابة يجري بموجب شيك من أمين الصندوق ويوقعه النقيب وأمين السرّ». وتشرح هذه المادة مهام أمين الصندوق التي تنحصر بتحصيل «الاشتراكات ومطلوبات النقابة الخاصة وتسديد ديونها وايداع أموال النقابة في المصرف». وتورد في ما بعد ضرورة أن «يحفظ في ملف خاص جميع الوثائق والمستندات المثبتة للقيود الحسابية وينظم كل ثلاثة أشهر بيان بالأموال الموجودة». من خلال ما ذكر في تقرير لجنة التحقيق، يتبيّن أنّه تم خرق هذه البنود بشكل فاضح.