صنعاء | يبدو أنّ ثمار «الربيع اليمني» لم تصل بعد إلى المنطقة التي يقيم فيها المشتغلون في إعلام هذه البلاد السعيدة. تقول أحوالهم اليوم بأنّهم ما زالوا معرضين للمخاطر ذاتها التي كانوا يتعرّضون لها في زمن النظام السابق، مما دفع كثيرين منهم إلى التساؤل: هل هناك ثورة فعلاً مرّت من هنا؟ إنّه أمر مثير للسخرية والحزن في الوقت ذاته. لو قام أحد المتابعين بقراءة أحوال الإعلاميين اليمنيين من دون تحديد وقت حدوثها، لتصوّر أنه يقرأ شيئاً من يوميّات أهل السلطة الرابعة في عهد حكم علي عبد الله صالح. لا مِزاح هنا، فهذا ما يقوله واقع متحرّك لا يكذب أو يتجمّل. الأمثلة على ذلك كثيرة. مثلاً، تعرّض الصحافي في التلفزيون الحكومي ومقدّم البرامج الحوارية عارف الصرمي لاعتداء من قبل مجهولين عاثوا تخريباً في جسده، مما جعله عاجزاً عن الحركة. كما أصيب الصحافي في جريدة «26 سبتمبر» الرسمية في عدن (جنوب صنعاء) منصور أنور بطلقات ناريّة أدّت إلى بتر ساقه والفاعل دائماً: مجهولون. كذلك، تعرّضت عربة توزيع تابعة لجريدة «أخبار اليوم» في عدن لهجوم من مسلّحين بالنيران الحيّة، مما أدى لإصابة سائقها واختطاف زميله وإحراق النسخ. ثم اعتُقل المصوّر في قناة «اليمن اليوم» رمزي القادري في سجن تابع لمدير أمن مدينة إب (جنوب صنعاء) وصودرت كاميرته لأنّه رافق صحافياً أراد تنفيذ تحقيق عن أسباب تردّي الحالة الأمنية في المدينة. لكن تبقى الواقعة الأكثر طرافةً وقسوةً هي إقدام رئيس تحرير جريدة «الثورة» الرسمية الأولى في اليمن، على سلسلة اعتداءات بحقّ صحافيين محتجيّن في المؤسسة كان آخرها قبل عيد الأضحى. يومها، أمر جنود حراسته بإطلاق النار في الهواء لترهيب صحافيين نصبوا خيمة أمام مبنى المؤسسة وأقاموا فيها مطالبين بعدد من حقوقهم. والمعلوم أنّ رئيس تحرير هذه الجريدة الرسمية (وهو في الوقت نفسه مراسل جريدة «الحياة» السعودية في مخالفة للقانون الخاص بتعيين رؤساء تحرير الصحف الرسمية)، كان واحداً من أبرز صحافيي «بلاط السلطان» السابق علي عبد الله صالح المناهضين للانتفاضة الشعبية.الرئيس الاسبق لنقابة الصحافيين اليمنيين عبد الباري طاهر قال لـ«الأخبار» تعليقاً على هذه الحالة بأنّ «الصحافيين اليمنيين ما زالوا مهددين بالتكفير والتخوين والاختطاف والمحاكمة». من جهتها، أوردت منظمة «هيومن رايتس ووتش» عن طريق جو ستورك القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إنّ «اخفاق الرئيس عبد ربه منصور هادي في معالجة الاعتداءات على الصحافيين اليمنيين لا يقتصر أثره على حرمانهم من العدالة، لكنه يزرع أيضاً في الوسط الإعلامي ككلّ شعوراً بالخوف من اعتداءات أكثر وأشدّ خطراً».