حالما اندلعت الأزمة السورية، سارعت «الجزيرة» في دمشق إلى توضيب أغراضها والعودة إلى الدوحة بعدما تظاهر العشرات من مؤيدي النظام أمام مكتبها منددين بتحيزها في تغطية الأحداث. بعد ذلك، راحت المحطة القطرية تمشي بثقة نحو المغالاة في تغطية الملف السوري، ووقعت مراراً في مطبّ التحريض حتى صارت محطّ سخرية. بعدها، لم تعد تعرف كيف تبرّر سلسلة الاستقالات المتتالية في مكاتبها احتجاجاً على تحيزها، لتخالف لاحقاً قواعد العمل الإعلامي وتعتمد على ناشطين منخطرين في الحراك المسلح، لتستقي المعلومات منهم وتتخذتهم كمراسلين ميدانيين.
وأخيراً، كشف الرئيس السوري بشار الأسد في آخر إطلالة تلفزيونية له على «الميادين» محاولة المسؤولين القطريين التبرؤ من تغطية «الجزيرة» في زياراتهم لدمشق في بداية الأزمة. ثم أخذت الأخبار تتسرب عن انحرافة تدريجيّة في خط القناة تمهيداً لعودة العلاقات بين دمشق والدوحة، خصوصاً أنّ تقارير عدة أكدت على تسلم الأسد رسالتين من الأمير تميم بن حمد آل ثاني لعودة المياه إلى مجاريها بين البلدين. علماً أن الأمير الشاب التزم سياسة الصمت حيال الملف السوري منذ تسلمه الحكم. على أرض الواقع، ينفي عضو «المجلس الوطني للإعلام» في سوريا فؤاد شربجي وصول أي طلب رسمي من «الجزيرة» أو غيرها لإعادة مزاولة العمل في العاصمة السورية. كما ينفي إمكانية أن تكون المحطة قد تواصلت مع وزارة الإعلام، مؤكداً «أن مسألة تنظيم فتح مكاتب المحطات وتوزيع مراسليها أمر يعود إلى المجلس حصراً». لكنّه يشير هنا إلى أن «الحكومة السورية لم تتخذ أي قرار رسمي بإغلاق «الجزيرة» في الشام، بل إنّ القرار جاء من طرفها بعد تنديد الناس بتغطيتها». ويعتبر الإعلامي السوري أن «الحديث في الموضوع مجرد رؤية تحليلية ومن المبكر التطرّق إليه». على ضفة مقابلة، أكّد لنا مصدر مطلع في وزارة الإعلام السورية رفض الكشف عن اسمه بأن الاجراءات تسير ببطء وستصل إلى افتتاح مكتب الجزيرة في دمشق مجدداً.
وإذا كانت مقاهي دمشق تتداول أخباراً غير مؤكدة عن دفع الدوحة مبالغ للحكومة السورية للمساهمة في إعادة إعمار سوريا، وتعهدها بالتوقّف عن دعم المسلحين وضخ الأموال في السوق السوداء لإغراق الليرة السورية، فإنّ المؤكد حتى الآن هو ظهور بوادر توحي بتعديل بسيط في تغطية «الجزيرة» من دون أي تغيير جوهري. مثلاً، قلّصت المحطة الوقت المخصّص للملف السوري، وتجرأت على انتقاد ممارسات «الجيش الحرّ» في بعض المناطق، والأصوليين في مناطق أخرى. وقبل حوالي أسبوع، أوردت خبراً عن مقتل 20 مسلحاً من «لواء الإسلام» بعد كمين «نصبته قوات النظام السوري» في بلدة العتيبة في ريف دمشق، وهو ما لم تكن تفعله سابقاً. كذلك، فهي من المرات النادرة التي تخلت فيها عن تسمية الجيش السوري بـ«كتائب الأسد». لكن هناك معلومات أخرى أكثر أهمية تفيد بأنّ «الجزيرة» وجدت نفسها مجبرة على العودة إلى خطّ الاعتدال بسبب خسارتها الدراماتيكية في عدد المشاهدين وفقدان شعبيتها العربية من سوريا إلى مصر!