«هذا الثمانيني كان وهو في الرابعة والثمانين نفسَه: أنسٌ وفكاهة وحضور بديهة والفة، وشباب جسد وروح»، بهذه العبارة وصفه الشاعر عباس بيضون على فايسبوك أمس. استطاع محمد دكروب الحفاظ على روحه الفتية حتى النهاية. «شيخ الشباب» رحل أمس وهمّ الشباب اللبناني على عاتقه.
لدى شباب «اتحاد الشباب الديمقراطي» ما يذكرونه عنه. هم لن ينسوا الدفع الذي كان يمنحهم إياه، والنقاشات والحوارات والمحاضرات التي كان يقيمها على نحو دائم في مقرّ الاتحاد. وبعد حوالى عقد على إغلاق مجلة «الطريق»، لم يكن السبب وراء إعادة إطلاقها انحسار المجلات الثقافية في لبنان فحسب، بل أيضاً إصرار دكروب على إصدار مجلة تتوجه إلى الشباب اللبناني، مخصصاً فيها مساحة لنشر النصوص الشابة.
بالتزامن مع الاحتفال بالعيد الـ 89 للسنديانة الحمراء، صار حزن الشباب على مواقع التواصل الاجتماعي أمس، حزنين. حزن على ماضي السنديانة الحمراء الجميل، الذي لم يعيشوه، وحزن على أحد آباء هذا الحزب. يختفي هنا المعنى المجازي لكلمة أب بالنسبة إلى هؤلاء الفتيان، ليأخذ معنى حقيقياً وواقعياً لمسوه من الرجل الثمانيني.

هؤلاء الشباب الذين يواصلون جهدهم لاستعادة ماضي الحزب في «زمن الخيبة»، يعرفون التمييز جيّداً. لقد أجمعوا على فايسبوك وتويتر على أنه «الشيوعي الحقيقي وغير المزيف»، قبل أن ينشر البعض صورهم برفقته، وبعض الأغاني لوداع «صبحي الجيز» الشيوعي. أحد الشباب أراد أن يودعه من خلال الأغنية المذكورة، مرفقةً بجملة «محمد دكروب. عم فتش ع واحد متلك.. يمشي.. منمشي ومنكفي الطريق ». التعليقات الشابة بدت متأثرة وحاسمة. غرّدت إحداهن «اليوم سينضم اسمك إلى المبدعين والمثقفين الذين كتبت عنهم لتكون من وجوه لا تموت، وداعاً محمد دكروب». بدوره علّق الموسيقي ريان الهبر على فايسبوك «صاروا قلال اللي عطيوا كتير، محمد دكروب. فلّيت قبل ما نشكرك». وأضاف المدوّن خضر سلامة «المؤرخ الشيوعي والكاتب والصعلوك المشاغب: شوارع صور. مجلة «الطريق». صنارة الأدباء. أسماء الشهداء. الصحف العتيقة وكومة الكتب والعمر الذي لم يكبر يوماً على التغزل بالنساء والضحك. وداعاً يا دكروب». أما صفحة المفكّر الراحل على فايسبوك، فقد تحوّلت مكاناً أخيراً لوداعه، بعدما انتشرت عليها العبارات والأغاني والصور. حتى أيامه الأخيرة في المستشفى، كانت زيارات شباب «الاتحاد الديمقراطي» و«الحزب الشيوعي» تتوالى عليه. يتذكر هاني عضاضة من «اتحاد الشباب الديمقراطي» ما قاله له دكروب في المستشفى: بدا قلقاً على مستقبل الشباب «الذين تخلوا عن الكتابة والقراءة». هكذا، أتت وصيته الأخيرة لتلتقي مع وصية المفكّر الراحل حسين مروة «زيدوا ثقافتكم يا رفاقي، نظّموا أكثر عملية التثقيف، حتى تتزايد شعلة الضياء تأججاً وسط الظلام الذي يريد أن يطغى».