عادةً، ينهي الناس أوراقهم أولاً، ثم يعلنون الهجرة. محمد هاشم الصاخب، لم يصبر. أعلن هجرته مقدَّماً. «سأتقدم بطلب للهجرة». هكذا قال أو كتب على فايسبوك. صاحب «دار ميريت» لا يصعب عليه توفير إقامة في الخارج. يقول لـ «الأخبار»: «إلى بلد أوروبي ما، إلى ألمانيا غالباً». الألمان كانوا قد منحوه جائزة «هيرمان كيستن» من قبل «نادي القلم الألماني».
وقد مُنحت لهاشم في عام الربيع العربي 2011 بوصفه «أحد رواده». آنذاك «توافرت لديّ عروض للإقامة في أكثر من بلد أوروبي»، كما يقول، مضيفاً إنّه قرّر أن يقبل أحدها الآن، والسفر خلال شهرين أو ثلاثة أشهر.
عبر داره المطلّة على ميدان التحرير في قلب القاهرة، لم يلتقط هاشم أنفاسه بعد التكريم الألماني، ولم يحتف بنفسه بعد الجائزة. انتقل من معركة إلى أخرى، هُدّد أثناء حكم المجلس العسكري، بسبب «توزيع الكمامات والخوذ على المتظاهرين»، واستضاف في ما بعد فعاليات المواجهة ضد الإخوان، وقاد اعتصام المثقفين ضد استيلاء الجماعة على وزارة الثقافة. وأخيراً، أعدّ لانطلاق «مؤتمر المثقفين» من أجل «استقلال العمل الثقافي عن التحولات السياسية». بين هذا وذاك، لم تنس «ميريت» دورها الأساسي في إطلاق كتبها وكتّابها، وإن بإيقاع أقلّ.
لذا فقد بدا إعلانه المفاجئ بالهجرة، لا يشبه صاحبه إن كان هروباً، بل يشبهه أكثر إن كان احتجاجاً: «لا أجد ما يعبّر عن روح الثورة العظيمة وسط كل مجموعات المصالح المتناحرة تلك»، هكذا كتب على صفحته، معدّداً أنواع غضبه، لكن بين تلك الأنواع، قد يكون الأشد وطأة على صاحبه «انضمام قطاعات من جمهور الكرة «الألتراس» إلى العمل بالأجر لحساب جماعات التكفير»، و«مشاركة عدد من كبار كتّابنا ومثقفينا في تصدير الحل العسكري للحكم كحل سحري وحيد». في النقطة الأخيرة، يشير هاشم ــ من دون أن يصرّح ــ إلى صنع الله إبراهيم، الذي عبّر أكثر من مرة عن تأييده ترشّح وزير الدفاع المصري الفريق عبد الفتاح السيسي، لمنصب الرئاسة.
سيُدير الدار أحد أبنائها من الكتّاب، يقول هاشم لكنّ أحداً لا يتصور ذلك، فـ «ميريت» هي صاحبها، كما أنّ صورة المهاجر أو المغترب، أبعد ما تكون عن الناشر الذي يعيش ــ تقريباً ـ في الدار، وسط القراء والكتاب والمتظاهرين وحتى عابري السبيل. لذا فإن النقاش مع هاشم، من روّاد داره وقرائها ومحبيها ــ محبيه، لا يدور الآن حول الإقامة والعمل والاغتراب، بل حول الغضب والسياسة والثورة، وبالطبع، حول ثنائية عسكر ـــ إخوان. tربما هي الدائرة المغلقة التي لم يجد هاشم ــ فيما ينظر حوله ـ وسيلة لكسرها، فألقى حجر الهجرة في البركة اليائسة، ضد ركود الواقع والتفاف الأيام حول نفسها. واحتجاجاً على إعادة صعود السلّم من أوله، يُعلن السفر وتُعلن الدار حسماً كبيراً على كتبها في الأسابيع المقبلة، مما يبدو أمراً شبيهاً بالتصفية، فيشبه ــ مرة أخرى ـ حال ثورة تواجه المصير نفسه.