بغداد | أن يرحل عن عالمنا، «فيلسوف بغداد» حسام الآلوسي (1936 ـــ 2013)، فهذه خسارة لا تعوّض. المفكّر والأكاديمي لم يرد لحياته أن تنتهي من دون تقديم باكورته الشعرية «زمن البوح»، إذ نتذكّر عنه حرصه قبل ثلاثة أعوام على توقيع الكتاب للجمهور في جلسة احتضنها اتحاد الأدباء في العراق. يومها، قدّم الآلوسي نفسه بطريقة مختلفة وهو ينتقل من المنهجية والتأمّل في الاشتغال الفلسفي إلى الخيال وجذوة الفن والتمرّد على الذات في إنتاج إبداع ثانٍ، رغم أنّه لم يقع في حبائل الحداثة الشعريّة في نصّه، بل ظلّ متأثّراً بكلاسيكيات الشعر العربي وبموضوعات تقترب من «غربة الذات» عن زمنها وعن الآخرين.
وإذا كان خبر رحيله قد مرّ من دون أصداء تستوجبها سيرته الغنية، فإنّ لذلك أكثر من سبب، منها الأزمة السياسية المستديمة في العراق (الصورة)، وما يتبعها من تدهور أمني يغطي على غيره من الأحداث. لو رحل الآلوسي في بلد ثان وظروف أخرى، لخرج في تشييعه المئات من نخبة البلد ورموزه وطلبته؛ نظراً إلى أهمية مشروعه الفلسفي واشتغالاته الفكرية على التراث والفرق الإسلامية وفق منهج تاريخي جديد، إضافة إلى ابتعاد الراحل عن الأضواء بفعل «شعور مرير بالوحدة لتوزّعه بين الشك واليقين والإيمان ونقيضه»، فضلاً عن الإقرار القديم الجديد بأنّ «تاريخ الثقافة العراقيّة هو تاريخ شعري في أغلبه». ربّما تندفع الأجيال الجديدة لقراءة قصائد السيّاب أكثر من مطالعة ما كتبه المفكر علي الوردي أو الآلوسي بفعل مسلّمات وثوابت بني على أساسها الخطاب الإعلامي الموجّه إلى المتلقي. وهذا لا ينفي بروز تيار جديد في الثقافة العراقيّة اليوم، يضمّ نخبة من كتّاب الرواية والمشتغلين في التنوير والفكر. كلّ هذه العوامل جعلت ردة الفعل إزاء رحيل الآلوسي مفاجئة، إذ اقتصر تداول النبأ على الصحافة وصفحات التواصل الاجتماعي والوسط الأكاديمي مع نعي رئيس اتحاد الأدباء الناقد فاضل ثامر له. ولا ندري هل تستكثر السلطتان التشريعية والتنفيذية إصدار بيان ينعى علماً من أعلام العراق، مثلما حصل مع الشاعر شيركو بيكه س الذي شيّع بمراسم رسمية في كردستان وبحضور ثقافي وإعلامي كبيرين؟
من المهم القول إنّ بغداد خسرت حضور الآلوسي، لكنّ نهجه المادي الجدلي التاريخي سيبقى ملهماً لطلبته ومحبّيه، وحالهم بفقده جسداً يسافر في سماء الغياب، كمثل من يردّد هذا البيت من قصيدة الراحل «رؤياك»: «تمضي الشهور ولا أراك كأنما/ أنا في الحضيض وأنت في أعلى السما».