بدءاً من الشهر المقبل، يدخل لبنان البث الرقمي التجريبي غير المعلن للبنانيين بمعنى حصره بـ«الهيئة المنظمة للاتصالات» والقنوات المحلية مع التنسيق مع وزارتي الاتصالات والإعلام و«المجلس الوطني للإعلام». هذه الأقطاب التي شكّلت ما بات يُعرف بـ«اللجنة الوطنية اللبنانية للانتقال للبث التلفزيوني الرقمي»، أعدّت خطةً كاملةً لآلية الانتقال الى البث الرقمي الملزم في حزيران (يونيو) 2015. هذا الموعد حدّده «الاتحاد الدولي للاتصالات» بموجب «اتفاقية جنيف» (2006) التي تقونن الترددات بين البلدان، ووقّع عليها أكثر من 116 بلداً من بينها لبنان. وسيبدأ العمل بالبث التجريبي منذ الآن بغية تفادي أي عثرات قد تنشأ، علماً أنّ المشرفين على الخطة وضعوا مهلة سنتين لإنهاء تنفيذها في 2014 أي قبل الموعد المحدد. لكن ماذا يعني الانتقال الى العصر الرقمي؟ وما هي نتائجه الاقتصادية؟ وأين اللبنانيون منه؟ مدير حيز الترددات في «الهيئة المنظمة للاتصالات» محمد أيوب يصف هذا الانتقال بالـ«ثورة» التي تشبه الانتقال من الأبيض والأسود الى الملوّن، مع فارق أنّ الرقمي «لا يستطيع استقبال البثّ التماثلي analogue والعكس». يلفت أيوب الى أنّ التقاط إشارة التلفزيون يعدّ من الحقوق الوطنية والمجانية للناس.

ويعرّج على العملية التماثلية التي حصرت حيّز الترددات بطبيعة التكنولوجيا المستخدمة. هكذا، ولد قانون الإعلام الذي يرعى اليوم تنظيم القنوات المحلية التي يصل عددها الى ثماني وتحتل حيزاً كبيراً من الترددات (40 موجة)، مع افتقارها إلى صورة نقية ذات جودة عالية. هذا بخلاف الديجيتيل الذي سيمنح مساحةً للقنوات ولولادة برامج تخصصية. وتأخذ هذه العملية مساحة ضئيلة من الترددات، بحيث يمكن لمحطة واحدة خلق عشرات البرامج والقنوات بما يتيح تعددية لا مثيل لها في الشكل والمحتوى.
بالإضافة الى التعددية الإعلامية، يتيح النظام الرقمي خدمات جديدة من برامج ووسائط تفاعلية متعدّدة عبر التصويت مثلاً على أحد البرامج التلفزيونية، أو الاشتراك في الخدمات المدفوعة لاختيار المحطات المشفرة.
ويملك الرقمي آثاراً إيجابية على الاقتصاد عبر استغلال ما يسمى «الفائض الرقمي» الناتج من منح «اتفاقية جنيف» لكل دولة بين 7 و8 محطات. سيستخدم لبنان ستّاً منها فقط في النظام الرقمي التلفزيوني، وتبقى اثنتان كفائض نستطيع توظيفهما في خدمات أخرى كقطاع الاتصالات والهاتف الخلوي الذي سيمنح خدمات جديدة كالتطبيقات الهاتفية. كما ستصبح خدمات الإنترنت أسرع. الأمر لا يقف هنا، بل سيخلق «الفائض الرقمي» إمكانية الترخيص لشركات خلوية جديدة.
بالنسبة إلى جهوزية القنوات اللبنانية للانتقال الى الرقمي، يقول أيوب إنّ نسبتها تتعدى 85 % وستتحوّل البنية التحتية لـ «تلفزيون لبنان» إلى محطة مركزية جامعة لباقي القنوات، بمعنى أنّه سيتم إلغاء كل أعمدة الإرسال المنتشرة في المناطق اللبنانية التابعة لكل محطة، فيتحوّل بذلك «التلفزيون العام» (تلفزيون لبنان) الى شبكة كاملة لهذه القنوات، على أن تشكَّل هيئة مستقلة تدير هذه الشبكة وتضمن التنافسية بين القنوات، باعتبار «تلفزيون لبنان» طرفاً منافساً، فيما يلزم جهة محايدة لإدارة البث الرقمي. هذه الشبكة طبعاً ستدّر موارد مالية على الدولة من خلال الإفادة من البنية التحتية للقناة الرسمية. كما أنّ توحيد عملية البث والغاء اعمدة الإرسال سيخففان على القنوات التكاليف الباهظة المتمثلة في عمليات الاستئجار وتشغيل المولدات...
في الشق المتعلق بالمواطن، فقد لحظت الخطة تأمين جهاز استقبال البث الرقمي بكلفة معقولة ومدعومة من الدولة، مع خفض الرسوم الجمركية على هذه الأجهزة التي يتوقع أن تبلغ كلفة الواحد منها بين 30 و35$ . وستسبق كل ذلك حملة إعلامية وإعلانية تدريبية للمواطن لتعليمه كيفية دخول العصر الجديد، علماً أنّ الحملة يفترض أن تنطلق مع المرحلة التجريبية للبث الرقمي الشهر المقبل. ويبقى التعويل على منح اللجنة المسؤولة الموازنة التي تصل الى 65 مليون دولار.
وعن إمكانية حصول فوضى عملية نتيجة فورة القنوات التي يتيحها البث الرقمي، يلفت أمين سر «اللجنة الوطنية اللبنانية للانتقال للبث التلفزيوني الرقمي» وعضو «المجلس الوطني للإعلام» غالب قنديل إلى أن مراقبة هذا الأمر منوطة بالمجلس، مع «الحرص على مبدأ توسيع النطاق الإعلامي عبر هذه التعددية». ويبقى موضوع الأداء الإعلامي رهناً بقانون الإعلام الجديد الذي يمنح المجلس الصلاحيات التقريرية والتجهيزات التقنية اللازمة لمراقبة ورصد هذا الأداء واعطاء التراخيص تبعاً لدفاتر الشروط.


يمكنكم متابعة زينب حاوي عبر تويتر | @HawiZeinab




HD ولا مش HD؟

في 26 أيلول (سبتمبر) الماضي، طرحت lbci تقنية الـ HD (صورة عالية الجودة) عبر محطة خضراء أوجدتها لاستقبال هذه التقنية. لكن السؤال: ما هي الأجهزة التي ينبغي للبنانيين امتلاكها حتى يستقبلوا هذه التقنية؟ يؤكد مدير حيز الترددات في «الهيئة المنظمة للاتصالات» محمد أيوب أنّ هذه الخدمة تعتبر مضافة وهي متاحة فقط لأجهزة استقبال جاهزة لالتقاطها حتى لو كانت متطوّرة. لكنّه يضيف أنّها «خطوة مساعدة لدخول العصر الرقمي، لكنّها تستوجب كلفة انتاج عالية مواكبة لها من كاميرات واجهزة مونتاج ملائمة. وهذا أمر طبيعي لكل قناة تريد ادخال خدمة جديدة».



ماذا عن المدينة الإعلامية؟

«المدينة الإعلامية» مصطلح يطل ويغيب مع كل حكومة تتشكّل في لبنان. على الصعيد الجغرافي، تقع «المدينة الإعلامية» في منطقة الدكوانة وتتبع لوزارة الإتصالات وموضوعة تحت تصرف وزارة الإعلام. على صعيد التشريعات، فإنّها مغيبة كلياً. «المدينة الإعلامية» أو «الميديا سيتي» عبارة عن مدينة رقمية تهدف الى استقطاب الإستثمارات في قطاعي الإنتاج والبث التلفزيوني والإذاعي. يشرح عضو «المجلس الوطني للإعلام» غالب قنديل بأنّ «هذه المدينة هي أولاً تشريعات وإجراءت قانونية تهدف إلى إزالة كل العقبات البيروقراطية المالية عبر الإستثمار لتخفيف الأعباء المالية وتحفيز الإستثمارات العربية».
ومن الطبيعي أن يغيب مشروع ضخم يدّر الأموال ويضع بيروت على خارطة العواصم الإعلامية المتقدمة بسبب نشوء الفوضى في مكان آخر الا وهو في التفريخ المهول لكمّ الفضائيات التي تبدأ من مكتب تمثيلي في بيروت ولا تنتهي بقناة تبث وتفتح هواء برامجها من دون حسيب أو رقيب نظراً إلى غياب التشريعات والرقابة، وأيضاً لكون الجهة التي تعطي التراخيص (وزارة الإتصالات) غير مخولة لذلك. عندما تنتهي هذه الفوضى وينظّم قانون البث الفضائي، عندها يصبح لهذه المدينة حظوظ كبيرة في ولادتها حسب قنديل.