في الذكرى العشرين لاتفاق أوسلو، عرض موقع Mediapart الفرنسي أخيراً وثائقي ويب بعنوان «آمال محطّمة ـ تركة أوسلو» (26 د) للصحافية إيف صباغ والمصوّر سيدريك جيرباهيي، تلته جلسة حوارية في السيرك الروماني في الدائرة الـ17 في باريس بحضور سفير فلسطين لدى الأونيسكو المؤرخ والكاتب الياس صنبر، والباحث الفرنسي جوليان سالانغ. الوثائقي لم يحاول إجراء أي جردة حساب لتركة أوسلو، بل اكتفى بمنح حق الكلام مباشرةً لفلسطينيين هم شهود على التاريخ.
على مراحل خمس، يجتاز سيدريك جيرباهيي وإيف صباغ الضفة الغربية من الجنوب إلى الشمال بغية السماح للسكان (البدو والمزارعين والتجار) بتقديم شهاداتهم حول واقعهم اليومي المرير. شهادات صارت أشبه بمعزوفة تتكرّر على مسامع المجتمع الدولي، لكنّه يدير لها آذانه الصماء: يمنع هؤلاء من الوصول إلى المياه، تدمّر بيوتهم، يخضعون لمراقبة متواصلة. حياتهم على هذه الأرض لا تطاق، تؤكد على ذلك تصريحات الإسرائيليين الذين لا يزالون ينكرون أي اعتداءات يرتكبها الكيان العبري.
يتقدم بحث وتصوير المخرجة صباغ والكاتب سيدريك جيرباهيي بخطى بطيئة تنسجم مع أعمالهما السابقة: يستمعان إلى الشهادات عن المعاملة الوحشية التي يتعرض لها الفلسطينيون. يعرفان المكان جيداً بسبب زيارتهما السابقة إلى فلسطين، فيحاولان من خلال عملهما متابعة تطوّر الوضع على الأرض. تمنح المشاهد بالأبيض والأسود الوثائقي طابعاً تاريخياً يركز على العلاقة مع الزمن، مع لمسات فنية فريدة تتمثّل في المزج بين الصور الثابتة والمتحركة في انعكاس لزمن يمرّ ويتوقف معاً. يظهر ذلك ركود التاريخ والعودة إلى المألوف في التراجيديا الفلسطينية. الصور هنا شواهد تاريخية على الأعمال السابقة لمعدّي الوثائقي. من خلال ترابطها مع المشاهد المصوّرة، تثبت أن لا شيء يتحسّن في حياة الفلسطيني العادي، لا بل إنّ هذا الواقع المرير يزداد سوءاً. كلّما تقدمنا نحو الشمال، لاحظنا الاختلال في التوازن. خلل في ميزان القوى والقدرات بين المحتلّين وأهل الأرض الذين تتجسّد معاناتهم في 26 دقيقة مكثّفة تعكس اختناق المجتمع الفلسطيني.
يبيّن الشهود الفلسطينيون قدرةً ناضجةً على التحليل، مقدّمين قراءة نفسية لآلية السلوك الإسرائيلي بكثير من الوعي: «يصل الجنود الإسرائيليون إلينا وهم لا يزالون شباناً بعدما خضعوا لغسل دماغ مكثّف في الجيش، فيتعلّمون أن يروا في كلّ فلسطيني خطراً وجودياً». بعد 20 سنة على اتفاق أوسلو، ماذا بقي من عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ومن الآمال المنبثقة عنها؟ يقدّم «آمال محطّمة» الإجابة من خلال تصوير استمرار الاستيطان وسلب الأراضي وطرد سكان مئات القرى. بعد العرض، واصل نقاش «ميديارات» ما بدأه الوثائقي. بدأ جوليان سالانغ بأنّ «الاحتلال لم يتوقف قط، بل واصلت إسرائيل سيطرتها على كلّ فلسطين التاريخية». لقد انسحب الجيش الإسرائيلي من بعض الأراضي الفلسطينية التي قسّمها إلى مناطق نراها بوضوح في الوثائقي هي المناطق «أ» و«ب» و«ج». بدا جلياً أنّ الباحث الفرنسي استند إلى أحد المراجع العالمية حول القضية الفلسطينية هو المؤرخ والأكاديمي المعروف رشيد خالدي. تابع سالانغ بأنّه كيف نتحدث عن «عملية سلام» فيما السلطة الفلسطينية لا تسيطر إلا على 18 في المئة من الضفة الغربية، أي أقل من 6 آلاف كيلومتر مربع هي عبارة عن مساحات متقطعة. نحن في الواقع أبعد ما نكون عن حلّ الدولتين، والأراضي المحتلة باتت تشبه ضواحي مهمشة معزولة ما كان ينقصها إلا بناء جدار العار. لعلّ «النصر» الوحيد الذي تحقّق في أوسلو كان الاستعادة اللغوية لاسم شعب لم يحرم فقط أرضه، بل اسمه أيضاً. في 1948، أصبحت فلسطين «إسرائيل» والقرى العربية باتت تحمل أسماءً عبريةً، كتلك القرى التي ظهرت في الوثائقي. هذا ما ركّز عليه الياس صنبر، مشدداً على أهمية استرجاع اسم فلسطين. وحين سأل الصحافي الفرنسي إدفي بلينيل صديقه بلياقة: «هل يجب أن نتخلّى عن فكرة الدولتين؟». أبقى الكاتب الفلسطيني على الأمل وسيلةً وحيدةً للبقاء في غياب أي حلّ أو «بديل».