لندن | في التاسع من الشهر الجاري، تنطلق الدورة الـ 57 من «مهرجان لندن السينمائي» وسط هجمة عربية لم تشهدها التظاهرة البريطانية العريقة منذ سنوات طويلة. سيكون الجمهور البريطاني، ومعه الجاليات العربية على موعد مع أبرز النتاجات الآتية من منطقتنا. ما تقوله هذه الاشتغالات يدور حول قصص لوعات مكتومة يعيشها المواطن العربي ومثله صنّاع السينما. ما تشهده المنطقة العربية من أحداث ساخنة وشديدة التعقيد، زادتها التباسات مآلات «الربيع العربي»، يضع القول السينمائي ــ والإبداع عموماً ــ في مواجهة غير متكافئة.
وعليه، ستكون هذه الاشتغالات بمثابة كوة صغيرة يلج من خلالها المنجز السينمائي للإطلال على قضايا وأحداث ومصائر يتقاسم مفرداتها المواطن العربي. في جديده «فرش وغطا» (المسابقة الرسمية)، يتابع المخرج المصري أحمد عبد الله يوميات الثورة الشعبية المصرية إبان انطلاقتها التاريخية الإولى. يقارب شريطه سؤال ما تغيّر في مصر من خلال محنة سجين هارب لتوه الى عالم لم يستطع التعرف إليه. يأخذنا الفيلم (بطولة آسر ياسين، عمرو عابد ويارا جبران...) الى أزقة كان يصعب على السينما المصرية تصويرها. من تلك البيئة المهملة والفقيرة، التقطت مواطنته هند مضبّ موضوع شريطها «الكترو شعبي» عن موسيقى وأغنيات الهامش غير المعترف بها رسمياً. أغنيات صار لها سوق ومريدون بين الشباب المصري المتمرد على قيمه القديمة. فيما يسجّل السوري محمد ملص في «سُلّم الى دمشق» (ضمن فقرة حبّ) شهادته كسينمائي لما يحدث في بلده على شكل تلويحة حبّ الى مدينة الياسمين يلفّها القلق على حاضرها ومستقبلها. في الفقرة عينها، تأتي باكورة الفلسطينية شيرين دعيبس «ميّ في الصيف»، لتبحث بين التقاليد المتوارثة وبين النزعة الاستقلالية عبر قصة حب تجمع بين فتاة تعيش في أميركا وقرارها العودة الى الأردن للاقتران بحبيبها المسلم. بينما يواصل مواطنها هاني أبو أسعد في «عمر» المتوَّج بجائزة لجنة تحكيم «نظرة خاصة» في «مهرجان كان» بحثه السينمائي في يوميات الفلسطينيين تحت نير الاحتلال الإسرائيلي. في حين يأخذنا العمل الروائي الأول للبناني أمين درّة «غدي» (فقرة الأفلام الساخرة) إلى يوميات معلم موسيقى يحاول جاهداً الحفاظ على ابنه المعاق من ألسنة أبناء القرية، علماً أنّ الشريط الذي يؤدي بطولته جورج خباز، رشّحته دولته لجوائز الأوسكار. ومن شمال أفريقيا، يحضر فيلم الجزائري مرزاق علواش «السطوح» (فقرة «جدل») ليصوِّر حاضر مدينة الجزائر البيضاء عبر فرق موسيقية تأخذ من سطوح البنايات مسرحها. فضاء السطوح يوظفه العراقي نجوان علي بطريقة أخرى في شريطه القصير «حَمام نسمة» (8 د) من خلال الصبية نسمة التي تقرر الاهتمام بالطيور جرياً على عادة والدها المتوفى وخلسة عن والدتها. إلا أنّ الأكيد أنّ الأنظار سوف تتجه الى فيلم التونسي عبد اللطيف قشيش «أديل» الفائز بسعفة «كان» الذهبية لجسارة مخرجه في تناول المثلية وفق صياغات فنية باذخة.
ولئن حضور مماثل لاشتغالات السينمائيين العرب يعدّ العلامة الأبرز للدورة الـ 57، فانّ مديرة المهرجان كلير ستيورات تمكّنت من استقطاب نماذج لفورة الإنتاج السينمائي البريطاني. ضمنت ستيورات شريط «الكابتن فيليبس» للمخرج بول غرينغراس وبطولة النجم الأميركي توم هانكس في عرضه الأوروبي الأول. جديد غرينغراس عودة الى واحدة من عمليات خطف الناقلات قبالة السواحل الصومالية. قصة حقيقة دارت أحداثها عام 2009 ودوِّنت في كتاب «مسؤولية الكابتن». في هذا العمل، نتابع جهود الكابتن فيليبس (هانكس) وسعيه لتأمين سلامة طاقمه. مواجهة يكون التهديد بالسلاح لغتها على إيقاع علاقة إنسانية تنشأ مع أحد القراصنة. توم هانكس سيكون حاضراً أيضاً في شريط الختام «إنقاذ السيد بانكس» لكاتب السيناريو والمخرج الأميركي جون لي هانكوك، مقابل البريطانية إيما ثومبسون في عرضه الأوروبي الأول. يأخذنا الى عالم رواية بي. أل ترافرز الرائعة التي قدمتها شركة «ووالت ديزني» قبل نصف قرن، ويدور حول قرار كاتبة السيناريو البريطانية ترافرز (إيما ثومبسون) بالسفر من لندن الى هوليوود لإقناع ديزني (هانكس) بشراء حقوق عملها.
الشريط البريطاني المرتقب في هذه الدورة سيكون «فيلومينا» لستيفن فريرز (جائزة أفضل سيناريو في «مهرجان البندقية» والمرشح ضمن الأوسكار)، وبطولة جودي دينش. نتابع مع المخرج البريطاني قصة سيدة إيرلندية كاثوليكية تدعى فيلومينا تبحث عن ابنها بعدما تخلت عنه قبل أكثر من نصف قرن تداركاً لـ«فضيحة» اجتماعية إثر حملها خارج أطر الزواج التقليدي. ومثله، سينقلنا البريطاني ستيف مكوين في «12 سنة من العبودية» الفائزة بجائزة الجمهور في «مهرجان تورونتو» الى تجربة عازف موسيقي أسود وما يتعرض له من إذلال عبر بيعه الى أكثر من سيد أبيض. وكما نجحت مديرة المهرجان كلير ستيورات في جلب 235 فيلماً روائياً، فإنّها تمكنت أيضاً من دعوة 150 مخرجاً من شتى بقاع العالم، ومعهم 110 نجماً ونجمة سيضيئون هذا العرس السينمائي السنوي.

«مهرجان لندن السينمائي الدولي»: من 9 حتى 20 ت1 (أكتوبر) ــ
http://www.bfi.org.uk/lff



من أسامة بن لادن إلى غور فيدال

مثلما حضرت الصومال والسينما البريطانية في برنامج الدورة الـ 57 من «مهرجان لندن السينمائي»، فإنّ زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن سيكون هو الآخر موضوع الشريط الوثائقي «المطارد» للأميركي غريغ باركر الذي سيأخذ مشاهده الى خفايا وكالة الاستخبارات المركزية عبر وثائق ومقابلات، تجعل شريط «زيرو دارك ثيرتي» لكاثرين بيغلو أقرب الى دراما شباك تذاكر فارغة. ويستحضر الشريط الوثائقي «غور فيدال- الولايات المتحدة الفاقدة للذاكرة» لنيكولاس راثل، سيرة الروائي والكاتب الأميركي المثير للجدل في أيامه الأخيرة. ومن تلك السيرة، سيتابع المشاهد قراءة فيدال للمشهد السياسي الأميركي، ولقاءه مع الزعيم الروسي ميخائيل غورباتشوف وحوارته الساخنة مع الكاتب البريطاني الراحل كريستوفر هيتشنز.