حتى الآن، لا يزال «مهرجان بيروت الدولي للسينما» BIFF يتنفّس رغم الظروف التي يشهدها البلد. دورته الـ 13 التي تنطلق اليوم في سينما «بلانيت أبراج»، تحوي 77 فيلماً تنتظر هواة الفن السابع. ورغم أنّ الكثير من النقاد شاهدوا معظم هذه الأفلام في مهرجانات «كان» و«برلين» و«البندقية»، إلا أنّ للعروض اللبنانية نكهة خاصة بوصفها تواطؤاً لإنجاح هذا المهرجان إمعاناً في الحياة ورفضاً للجماد الذي يهدّد كل شيء، بدءاً من العقول المتحررة.
التحرّر نفسه هو السمة التي تميّز أعمال المهرجان هذه السنة، مع تحرر من الهوموفوبيا في فيلمي «غريب البحيرة» (ألان غيرودي) و«أتنبرغ» (اثينا ريتشل تسانغاري)، وتحرر من الحياة مع فيلم «ميال» (فاليريا غولينو)، وتحرّر من الصورة النمطية لحقبة الاحتلال النازي لفرنسا مع فيلم «هدوء البحر» (فولكر شلوندورف)، فضلاً عن التحرر من الجاذبية مع فيلم الافتتاح «جاذبية» (ألفونسو كوارون).
وإذا كان «غريب البحيرة» للفرنسي ألان غيرودي الذي عرض ضمن تظاهرة «نظرة ما» في «مهرجان كان» الأخير، يعدّ الأكثر إثارة للجدل بسبب أسلوبه المباشر في تقديم المثلية بكثير من المشاهد الحميمية، فإن الأفلام الأخرى لا تقل شأناً عنه كـ Miele الذي يعرض للقضية الأكثر إثارة للجدل في أوروبا. صحيح أنّ القارة العجوز استطاعت تخطي إشكالية المثلية، لكنها حتى اللحظة لم تستطع تخطي الموت الرحيم الذي يشكل جزءاً أساسياً من هذا الشريط الذي يُعَدّ التجربة الإخراجية الأولى للممثلة الإيطالية فاليريا غولينو، ونال تنويهاً خاصاً من لجنة التحكيم لدى عرضه ضمن «نظرة ما» في «كان». أما «هدوء البحر» للألماني فولكر شلوندورف، فيكسر الصورة النمطية عن الاحتلال النازي لفرنسا. طبعاً لا يبدو الفوهرر أكثر رحمة، لكنّه يظهر الضباط والجنود الألمان بصورة العبد المأمور ويظهر حكومة فيشي أكثر تواطؤاً حين يطلب الفوهرر إعدام 150 سجيناً فرنسياً رداً على اغتيال جندي ألماني من قبل المقاومين الشيوعيين في فرنسا. والأهم أنّ الشريط يقدم تصويراً مختلفاً يخفف من طغيان صورة العسكر لمصلحة صورة الإنسان.
أما «ماد» للأميركي جيف نيكولز الذي ينتظره كثيرون بعدما كان من تحف «مهرجان كان»؛ فهو شريط أميركي مشوق بنفس أوروبي، يقدّم حبكة رائعة من صداقة تجمع بين طفلين ومجرم فار. وإذا كان التصوير السينمائي أفضل ما يميز العملين الأخيرين، فلا شك في أنّ فيلم الافتتاح «جاذبية» يشكل تحفة في التصوير السينمائي (راجع المقال أدناه). وتماماً كفيلم الافتتاح، فإنّ اختيار «المهاجرة» لجيمس غراي لحفل الختام كان موفقاً أيضاً رغم ما رافقه من جدل حول القسوة التي يتضمنه. الشريط الذي تؤدي بطولته الفرنسية ماريون كوتيار والأميركي يواكين فونيكس يتناول معاناة عمرها من عمر التاريخ البشري، أي الهجرة غير الشرعية والاستغلال البشع للاجئين والاتجار بالبشر.
ومن الأفلام التي تستحق المشاهدة في قسم «البانوراما الدولية»، شريط «ثورة» للمخرج الكندي روب ستيوارت الذي يقدم في إطار مغامراته حول العالم، عملاً يستفز البشر ويدينهم على ارتكاباتهم بحق الطبيعة ويسعى بمساعدة خبراء دوليين في إيجاد حلول للمشكلات البيئية التي تشكل التحدي الأبرز في المستقبل. ومن الأفلام المنتظرة أيضاً، فيم الإيراني جعفر بناهي «ستائر مغلقة» الذي نال جائزة «الدب الفضي» لأفضل سيناريو في «مهرجان برلين». كذلك يشارك مواطنه محسن مخملباف بفيلم من إنتاج كوري جنوبي هو «الابتسامة المستمرة».
وفي فئة مسابقة «أفلام الشرق الأوسطية القصيرة»، تتنافس 14 فيلماً، أربعة منها لمخرجين لبنانيين هي «قليل من الشاي» لعلي شيران، وEternité d’Amour لمايك مالاجاليان، و«وهبتك المتعة» لفرح شاعر، وMemex لغاييل ساسين مع أربعة أفلام من مصر وثلاثة من العراق. لكن اللافت هو ازدياد المحاولات النسوية بعد نجاح تجربة «وجدة» للمخرجة هيفاء المنصور. تشارك في المهرجان السعودية عهد كامل بفيلمها «حرمة» ومواطنها بدر الحمود بفيلم «سكراب»، فضلاً عن مشاركة الإماراتية هناء مكي بفيلم «الرحلة». في الواقع، يشارك 22 فيلماً لمخرجين لبنانيين في المهرجان معظمها أفلام قصيرة أو وثائقية وتتوزع على أقسام مسابقة «أفلام الشرق الأوسطية القصيرة»، و«مسابقة الأفلام الشرق أوسطية الوثائقية»، و«ركن الأفلام اللبنانية» (راجع المقال المقابل). الأهم من هذا أنّ الدورة الـ 13 من «مهرجان بيروت الدولي للسينما» توجّه تحية إلى المخرج الروسي الكسندر سوكوروف عبر استعادة رباعيته «فاوست» (اقتباس حرّ عن نصّ غوته الشهير)، و«مولوك» (عن هتلر)، و«توروس» (عن لينين)، و«الشمس» (عن الإمبراطور هيروهيتو). وقالت مديرة المهرجان كوليت نوفل إنّ «أفلامه لم يسبق أن عُرضت في لبنان». كذلك سنشاهد فيلم «أنا وأنت» (2012) الذي يعيد المعلّم الإيطالي برناردو بيرتولوتشي بعد تسعة أعوام من الانقطاع منذ شريطه «الحالمون» (2003).
أخيراً، يأتي قسم أفلام حقوق الإنسان «هيومن رايتس ووتش»، ليضرب على الوتر الفلسطيني مع شريط «5 كاميرات مكسورة» لعماد برناط الذي يوثق معاناته الشخصية ضد العنف الذي تمثله أكثر الأنظمة عنصرية في التاريخ الحديث، وجدار الفصل الذي يجعل الضفة الغربية سجناً كبيراً وأراضي الفلسطينيين مشاعاً للمستوطنين الصهاينة. كذلك، تطلق المنظمة الدولية غضبها على الوحش الكوري الشمالي، مقدمة شريطاً وثائقياً تحت عنوان «المعسكر 14» للمخرج مارك فيزيه الذي يرصد حياة سجين شاب نشأ وترعرع في السجون الكورية ولم يعرف إلا التعذيب والقسوة نمطَ حياة.



«مهرجان بيروت الدولي للسينما»: بدءاً من اليوم حتى 10 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ سينما «بلانيت أبراج» (فرن الشباك ـ بيروت) ـ للاستعلام: 01/292192 ـ 70/141843