لا يمكن مَن شاهدَ أياً من أفلام ألمودوفار، إلا أن يلاحظ المكانة الخاصة التي تحتلها النساء فيها. حولهن، تتمحور قصص أفلامِهِ، وغالباً بشكلٍ مباشر. ولن يُفاجَأ المرء بأنّ من شجَّعَهُ على صناعة أوّل فيلمٍ طويلٍ له «بيبي، لوسي وبوم» ليست سوى كارمن ماورا. بطلةُ ذاك الفيلم وستّةِ أفلام أخرى لألمودوفار على مدى 26 عاماً، كانت أيقونته الأكثر التصاقاً به والأكثر قدرة على تجسيد ولعب أدواره النسائية، باعترافه هو. النساء في أفلامه عشيقات، أمهات، زوجات، شقيقات، بائعات هوى ومتحوّلات جنسياً، رغبةً منه في إظهار المرأة بوجوهها المختلفة في الحياة الواقعية.
بداياتهُ مع المرأة تعود إلى علاقتِهِ بأمّه أيام الطفولة. هو الذي كبر وسط جو نسائي في قرية «لا مانشا»، رأى النساء، راقبهن، تتبع حركاتهن إلى أن فهمهن، فتمكّن من ولوج أعماقهن وتقليب أحاسيس قد تبدو غير ثابتة. أمّا هو فرآها متكاملة جميلة، وقد يعود ذلك إلى مثليته. يقول إنّ فَهم المثليين للنساء مردّه إلى غياب خوفهم من عدم إرضاء النساء. هذا هو سرّ ألمودوفار الذي لعب على ازدواجية عشقه للمرأة إلى حدّ عبادتها من جهة وعدم رغبته بها (بالمعنى الجنسي) من جهة أخرى.
لا ينتقي ألمودوفار ممثّلاته بل يصنعهن، يقولبهن، ويدفعهن إلى أقصى حدودهن لإبراز أصدق ما يختزن من مشاعر، فيؤدّين أدوارهنّ بشكل يحاكي الواقع. في «كلّ شيء عن أمّي، يعالج ألمودوفار تيمة حداد الأم على فقدان ولدها وسعيها لتحقيق أمنيته بلقاء والده الذي لم يعرفه يوماً. في هذا الشريط، تألّقت سيسيليا روث بدور الأم المفجوعة، ما خوّلها جائزة «غويا» لأفضل ممثّلة. أما «ماذا فعلتُ كي استحقّ هذا؟»، فيُصوّر عائلة مفككة: زوج يعنّف زوجته، ابن يبيع جسده مقابل المال، وابنة تمتهن تجارة المخدّرات. عن دورها فيه، حازت كارمن ماورا جائزة أفضل ممثّلة في Fotogramas de Plata. في «قانون الرغبة»، تلعبُ كارمن ماورا دور ممثّلة متحوّلة جنسياً، إلا أنّ قصة الفيلم تدور حول علاقة مثليّة. «نساء على حافة الانهيار العصبي»، يروي قصة عشيقة يتركها حبيبها فجأة، فتنطلق للبحث عنه، ما يقودها إلى اكتشاف بعض أسراره ومشاعرها الكاملة. كارمن ماورا مجدّداً في دور أهّلها لجائزة أفضل ممثّلة أوروبيّة ضمن «جائزة السينما الأوروبيّة» عام 1988. أما «كعب عال»، فيصوّر العلاقة المأزومة بين أمٍّ تبحث عن ابنةٍ تركتها 15 عاماً لتجدها قد تزوّجت عشيقها السابق. بيدرو ألمودوفار، صانعُ النساء وصنيعتهن، بنى نجوميته الإخراجية على سواعد نسائية. مسيرة أكسبته لقب «المخرج النسائي» الذي أظهر المرأة ككائن صلب ومكافح إنّما رقيق.