ماذا لو كان حفيد موشيه دايان بريطانياً أو بولندياً حقاً؟ ماذا كان سيحدث لو زار فلسطين سائحاً؟ ماذا لو لم تحدث النكبة وبقيت فلسطين في فلسطين، ومات الجد ذو الأصول الأوكرانية من دون أن يسمع باسمه أحد؟ تمنيات تتهاوى بعد بث قناة «هوت» الترفيهية الإسرائيلية أخيراً الحلقة الأسبوعية من برنامج يقدمه ليئور دايان حفيد وزير جيش الاحتلال الأسبق موشيه دايان (1915ــ1981). خصّص ليئور جزءاً كبيراً منها لبث تسجيل مصوّر عن جولة أجراها في فنادق رام الله وشوارعها.
جولة إسرائيلية تنكّرية لا تشبه عادةً مغامرات دبابات الاحتلال وجنودها في شوارع رام الله. تبدأ بكاميرا تُعَدّ لفيلم قصير داخل السيارة المتجهة إلى المدينة الفلسطينية. يؤدي ليئور دايان دور شخصية سائح بريطاني. جواز سفره الأجنبي بيده لضمان نجاح الخطة التي سيتبعها عند دخوله المدينة. «اسمي فرانس، وأنا مواطن بريطاني من كارديف». يرفع علامة السلام بطريقة ساخرة، قبل أن تبدأ الأحداث بمجرد وصوله إلى المدينة المزدحمة التي يختفي ضجيجها في أحد فنادقها الفخمة. لقطة مقرّبة على صورة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وإلى جانبه صورة الراحل ياسر عرفات. تصادفه فتيات صغيرات عند مدخل الفندق. يتساءل ساخراً عن إمكانية سماعه ردّهما على تحيته بكلمة «شالوم». الإسرائيلي المرتاب من كل شيء، يكذب في كونه قادماً من بولندا عكس ما اتفق عليه مسبقاً مع معد البرنامج. ينتقده زميله على تلك الزلة التي جعلتهما يفكران في مغادرة المدينة بسبب سهولة كشفهما أو القبض عليهما. هنا حفيد موشيه دايان قائد الحروب الكثيرة ضد الفلسطينيين والعرب ليس أكثر من شخص خائف في رام الله.
في الطابق الخامس من أحد فنادق المدينة، يؤكد «فرانس» ليئور أنّ مهمته التالية ستكون في ملاهي رام الله الليلية لكتابة مقاله الأسبوعي. يطلّ من شرفة غرفته على باحة الفندق الفارغة، ملقياً نظرة على بركة السباحة الخالية. يتوجّه إلى الكاميرا قائلاً: «لن تكون هناك حسناوات بجوار البركة» يضحك.
مجدداً هو في أحد شوارع رام الله. يذهب إلى إحدى الصيدليات ليشتري دواءً لحنجرته. هناك، يسأله الصيدلي الفلسطيني مشككاً في ما إذا كان يهودياً أو صهيونياً، فيدّعي أنه مدوّن من بولندا. «أنا من الرملة، في الداخل المحتل. هل تعرفها؟»، يسأل الصيدلي حفيد موشيه دايان الذي يخبر مرافقه بعد خروجهما أنّ هذا الرجل لا يعلم أنّ جده موشيه دايان قاد أكبر عملية طرد جماعي للفلسطينيين من الرملة عام 1948. ينتهي ذلك اليوم في إحدى حانات رام الله. الأمور تسير على ما يرام، حسب قول الصحافي الإسرائيلي. يطلب القهوة في البار المزدحم ويحادث مرتاديه المحليين، ويقرع كأس القهوة بزجاجات البيرة الفلسطينية. يتوجه إلى الكاميرا بوقاحة باردة، قائلاً: «لنفترض أنّه لن تكون هناك معوقات لتحقيق للسلام»، مسقطاً كل حروب إسرائيل، بدءاً من تلك التي خاضها جده. لكنّ ذكريات السكان الأصليين ستعكّر صفوه حين يتأكد من خلالها أنّهم لم يتخلّصوا فعلاً من الفلسطينيين «مشكلتهم المزعجة». ليئور (أو فرانس) اختبأ وراء جنسية وجواز سفر. أراد أن يمارس لعبة ترفيهية. الجلاد يلهو متنكراً مع الضحية، وقد أصبح قاتلاً مرتين.