بينما يتابع قراء جريدة «الأخبار» هذه السطور٬ تكون كاتبتها ماثلة أمام سلطات التحقيق لاستجوابها في القضية رقم 17 لسنة 2016 بتهمة إهانة «شعبة قضائية» (أي النيابة العامة) وفق ما جاء في قرار الاستدعاء. صدر الأخير عن نيابة استئناف القاهرة على خلفية ما نشرته جريدة «البوابة» القاهرية٬ من تصريحات أدلى بها الدكتور جابر عصفور خلال مؤتمر «الحماية القانونية لحرية الفكر والتعبير... نحو مجتمع حر ومبدع» (الأخبار 5/3/2016). المؤتمر الذي أقامته هيئة حكومية هي «المجلس الأعلى للثقافة»٬ تناول في محاوره النظام القانوني الدولي لحرية الرأي والتعبير ومسؤولية الدولة عن انتهاك هذه الحرية٬ فضلاً عن شهادات حول هذه القضية٬ إحداها قدمها أستاذ القانون جابر نصار الذي يشغل في الوقت نفسه رئاسة «جامعة القاهرة». لكن يبدو أنّ النيابة العامة رأت أن التغطية الصحافية التي قمنا بها من ضمنها نشر أهم التصريحات والمداخلات التي أدلى بها المشاركون في المؤتمر٬ إهانة لشعبة من السلطة القضائية وهي النيابة العامة، أي أنّ النيابة العامة هي التي تختصم «المحرّرة» التي نشرت التقرير٬ وفي الوقت عينه تحقّق معها وتستجوبها!التقرير الذي نشرته جريدة «البوابة» المصرية (بتاريخ 5 آذار/ مارس) مثله مثل أي تغطية إخبارية معتادة تنشر عبر وسائل الإعلام٬ سواء في المواقع الالكترونية، أو الصحف الورقية٬ أو القنوات الفضائية التي كانت تنقل فعاليات المؤتمر على الهواء مباشرة٬ والمداخلات والتصريحات نشرت عبر المواقع الالكترونية ونحن ما زلنا في القاعة بعد٬ عن طريق الزملاء الذين نشروا مباشرة من خلال أجهزتهم داخل قاعة المؤتمر. لكن يبدو أنّ تصريحات جابر عصفور قد أغضبت النيابة العامة. لذا، حركّت الدعوى ضد كاتبة هذه السطور بعد أقل من 48 ساعة على نشر التقرير الذي جاء بعنوان «ثورة المثقفين # ضد_محاكمة_الخيال». جاء ذلك رغم أنّ التقرير لم ينشر من مداخلة عصفور سوى فقرة مُعنونة: «خطاب النيابة أكثر تطرفاً من داعش» جاء فيه: «وفي كلمته في المؤتمر، أطلق الدكتور جابر عصفور٬ وزير الثقافة الأسبق اتهامات واضحة للقضاء٬ بأنه مخترق من جماعة الإخوان المسلمين ومن السلفيين على السواء٬ على خلفية الحكم بسجن الروائي أحمد ناجي بتهمة خدش الحياء في كتاباته٬ معتبراً أنّ الخطاب القضائي٬ لا سيما الخاص بالنيابة العامة٬ لا يقل في تشدده وتطرفه عن تنظيم «داعش» الإرهابي. وذكر عصفور واقع استدعائه للشهادة في قضية أحمد ناجي أنّ القاضي يحكم في القضية ذاتها من واقع عقيدته لا بنصوص القانون٬ إذ حكم قاض منهم ببراءة الروائي٬ بينما حكم آخر عليه بالحبس. وأشار عصفور إلى الجملة التي قالها الروائي والقاص الراحل يوسف إدريس قبل الستينيات بأنّ الحرية الموجودة في العالم العربي كله لا تكفي روائياً واحداً. وطالت اتهامات التشدد التي أطلقها عصفور رجال النيابة٬ إذ حكي أنه في مرحلة الرئيس الأسبق حسني مبارك٬ جاءت هوجة الحسبة٬ وتقدم رجال من السلفيين إلى القضاء بدعوى الحسبة٬ ولم يكن هناك نص قانوني بتضييق الأمر أو إلغاء هذه الحسبة».
اللافت في أمر الاستدعاء (عدا سرعة تحريك الدعوى وتجاهلها لقاعدة ناقل الكفر ليس بكافر) خلوه من أي معلومات تفيد إن كان هناك بلاغ ضدي٬ أو شكوى أو «تحقيقات تجريها النيابة العامة» كما نصّ أمر الاستدعاء٬ بخاصة أنه من اختصاصات النيابة العامة٬ أن تنوب عن المجتمع، وتقوم بتمثيله، ما يثير التساؤل في حالتي عمن تمثله النيابة: هل تمثل نفسها كشخص اعتباري، ضد المجتمع المتمثل في شخصي كفرد منه؟!

*صحافية مصرية