تُغيّر صحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية اسمها الى العربية كرمى لعيون السوريين واحتفالاً بـ«ثورتهم» (عدد أمس)، فيخطر في البال احتمال أن تنطق صحيفة غربية أخيراً بكلمة حق في هذه المناسبة. لكن هذا الأمل سرعان ما يتبخّر لدى قراءة السطور الأولى من افتتاحية الملف التي حدّدت خطّاً سياسياً منحازاً وضيّقاً واختزالياً انسحب على معظم المقالات والتقارير الخاصة بالملحق. سياسة «ليبيراسيون» أرادت أن تختصر أصوات كلّ السوريين، بعد خمس سنوات من حرب همجية مستمرة، بصوت بعض معارضي النظام السوري من المثقفين وأفكار جمعيات "غير حكومية" ومقالات لصحافيين مستقرّين في تركيا.
اسم الصحيفة الذي تحوّل من «ليبيراسيون» إلى «تحرير» استثنائياً أمس للمناسبة، وعنوان الملف الخاص «يوميات السوريين» على غلاف أحمر، خبّأ في عناوينه الداخلية صراخاً سياسياً إعلامياً محدوداً يتكرر منذ ٢٠١١، ويحَصر همجية ما يجري في سوريا بالنظام، وينعى مستقبل السوريين "المرهون بطهران وموسكو"، ويختزل المشهد السوري بطريقة غير واقعية.
الفريق تألّف من مراسلين سوريين معظمهم يقيمون في تركيا

«في النهاية، دمّرت عائلة الأسد ثلاثة بلدان: لبنان الذي لن يستعيد دوره كما كان في الماضي، الكيان الفلسطيني بالتعاون مع إسرائيل، إضافة الى بلدهم»، هكذا بدأت افتتاحية ملف «ليبيراسيون» بتوقيع رئيس التحرير مارك سيمو وكبير مراسليها المتخصص في شؤون الشرق الأوسط جان بيار بيرين. استنتاج الافتتاحية اتهم «عائلة الأسد» بتدمير المدن السورية، ولام باريس ولندن وواشنطن لعدم احتضان الثورة في بداياتها.
الافتتاحية تقرأ الواقع كالآتي «الثورة تحوّلت الى حرب أهلية، وهذه صارت حرباً إقليمية مع تدخل حزب الله وطهران وأنقرة، ثم باتت حرباً دولية مع دخول موسكو على الخط طامحة ببناء امبراطورية». هكذا، باختصار مهين لوعي القرّاء، قررت «ليبيراسيون» أن تتجاهل الدور الفرنسي والأميركي والإسرائيلي والبريطاني والسعودي والقطري والكويتي والإماراتي والأردني في الأزمة، واستسهلت مرة جديدة تحريف الواقع وتغيير الحقائق لخدمة مصالح سياسية على حساب دماء السوريين (احتفال المواقع القطرية بملف «ليبيراسيون» أمس ليس إلا دليلاً على انحيازه).
من كان وراء فكرة الملف إذاً؟ تشرح الصحيفة في أحد المقالات أنّ الفكرة ولدت بعد نقاش بين جمعيات «غير حكومية» مثل CCFD الفرنسية و«مراسلون بلا حدود» وEuroMed Rights و«الحركة العالمية لحقوق الإنسان» و«العفو الدولية»، وتولّت الصحافية السورية هلا قضماني تكليف فريق من الكتّاب بالمواد. هذا الفريق تألّف من مراسلين سوريين معظمهم يقيمون في تركيا ويعملون في سبع مطبوعات تصدر من تركيا (بلد الحريات الصحافية!)، ضمن «الشبكة السورية للإعلام المكتوب».
بالإضافة الى تقارير ميدانية، بعضها نُشر باللغة العربية، من حلب المدمّرة ومقابلات مع أطبّاء وناشطين شهدوا ويلات المعارك، تحدّثت هلا قضماني مع قائد سابق في الجيش السوري، عبد الناصر العائد، الذي «كشف» الاستراتيجية الروسية «لخنق المعارضة المعتدلة وجعل تنظيم «داعش» العدو الأوحد».
مقال آخر للكاتب فاروق مردم بيك انتقد فيه «مجموعة أصدقاء سوريا» التي ولدت عام ٢٠١٢ ولامهم على «تخلّيهم» عن «الثوار» والجيش السوري الحرّ. مردم بيك لام الولايات المتحدة الأميركية تحديداً على «انسحابها التدريجي من الشرق الأوسط، تاركة الساحة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين» الذي «باشر بتحويل سوريا الى شيشان» ثانية.
من يقرأ ملف «ليبيراسيون» الخاص بالأزمة السورية أمس يخال نفسه على صفحة فايسبوك معارِضة للنظام السوري أُنشِئت عام 2011 ولم تُحدَّث منذ ذلك الحين!