قبل اندلاع الحريق الكبير الذي سُمّي ربيعاً سورياً، كان لدى صنّاع الدراما القدرة على الإبداع أكثر مما يفعلونه اليوم. صحيح أنّ إنجازهم بعض الأعمال خارج حدود الوطن، حرّرهم من قبضة الرقابة وزاد قدرتهم على التصدي لملفات شائكة، لكن أين الجرأة اليوم في الإضاءة على الفساد الأمني، وتحميله مسؤولية الدماء التي تجري على الأرض في وقت يحمل فيه آلاف السوريين السلاح ويعلنون التمرد حتى إسقاط النظام؟ هكذا، راح بعض الكتّاب يبحثون عن مخارج توفر عليهم مقاربة الواقع على اعتبار أنه سيظل يسبق الدراما مهما حاولت اللحاق به.
وقد يكون الغوص في أخطاء النظام القاتلة التي تراكمت حتى بلغت حافة الهاوية، أحد تلك المنافذ، وخصوصاً في ما يتعلق بالوصاية السورية على لبنان لمدة ثلاثة عقود. انطلاقاً من هنا، يعكف محمد ماشطة على كتابة الحلقات الأولى من «بارانويا» (جنون العظمة) بعدما اكتملت فكرته وبنية شخوصه. كذلك، أبرم صاحب «شركاء يتقاسمون الخراب» الاتفاق مع شركة «شوت برودكشن» (فراس حاطوم) على إنجاز العمل الذي سيخرجه عمار رضوان ليكون جاهزاً للعرض على الفضائيات العربية في رمضان المقبل.
عن فكرة المسلسل وحكايته، يكشف السيناريست السوري محمد ماشطة لـ«الأخبار» أنّ «المسلسل يتطرق إلى طبيعة العلاقة بين سوريا ولبنان، ويعالج الأزمة السورية بشكل كوميدي سياسي وهادف، مستعرضاً طبيعة العلاقات بين ضابط سوري كبير وأصدقائه اللبنانيين». ستبنى الحكاية على مجموعة تساؤلات تتعلّق بنظرة اللبنانيين إلى هذا الضابط في ظلّ الأزمة الحالية: مَن يخاف منه بسبب تاريخه الطويل من التجربة الأمنية؟ ومن يتحدّاه معتمداً على ضعفه الحالي وانحسار نفوذ النظام حسب تصوّره؟ وما هي التيارات السياسية المتباينة التي ينتمي إليها شخوص العمل؟ ثم ما هي طبيعة علاقتهم السابقة به عندما كان على رأس عمله في لبنان؟ وأخيراً، تأتي الإشكالية التي يختلف عليها الناس حول فقدان النظام السوري تأثيره في الساحة اللبنانية أو الحفاظ على نفوذه بما يجعله يفرض ما يريده لتحقيق مصالحه. من جهة ثانية، يغوص العمل كما يقول كاتبه «في التركيبة النفسية لدى الكثير من اللبنانيين الموالين للنظام سواء خوفاً منه بالاعتماد على رواسب الذاكرة والتاريخ، أو أملاً بمساعداته التي يستطيع تحقيقها لهم من خلال نفوذه في البلد. ويركز على التعاطي السلبي لبعض اللبنانيين وكرههم للسوري وعنصريتهم تجاهه أحياناً». يرى ماشطة أنّ معالجة هذه المحاور ستتم «بشكل كوميدي وناقد، يمنح العمل طابع الكوميديا السياسية الهادفة، متناولاً بعض مشاكل لبنان الاجتماعية والسياسية. وضمن إطار كوميدي بسيط، ينتقد المسلسل كل الجهات التي ارتكبت أخطاءً في سوريا ولبنان، لكن من دون الانحياز إلى أي جهة». وعن الأسماء المقترحة لتجسيد أدوار البطولة، يؤكد صاحب «ثنائيات الكرز» أنه لم يرشّح أي اسم حالياً، بل سيتباحث مع المخرج والشركة المنتجة فور جهوز النص وبدء التحضيرات الفعلية للتصوير. هكذا، سيكون رضوان حاضراً في مناطق لبنانية عدة تمهيداً لبدء تصوير «بارانويا» خلال الأشهر القليلة المقبلة.